وقال مجاهد أيضاً : هو الموت يسبق الإنسان.
وقال قتادة، والحسن، ومعمر : هي النجوم يسبق بعضها في السير بعضاً.
وقال عطاء : هي الخيل التي تسبق إلى الجهاد.
وقيل : هي الأرواح التي تسبق الأجساد إلى الجنة أو النار.
قال الجرجاني : عطف السابقات بالفاء، لأنها مسببة من التي قبلها، أي : واللاتي يسبحن فيسبقن.
تقول قام فذهب، فهذا يوجب أن يكون القيام سبباً للذهاب، ولو قلت قام وذهب بالواو لم يكن القيام سبباً للذهاب.
قال الواحدي : وهذا غير مطرد في قوله :﴿ فالمدبرات أَمْراً ﴾ لأنه يبعد أن يجعل السبق سبباً للتدبر.
قال الرازي : ويمكن الجواب عما قاله الواحدي : بأنها لما أمرت سبحت فسبقت فدبرت ما أمرت بتدبيره، فتكون هذه أفعالاً يتصل بعضها ببعض كقوله : قام زيد فذهب، ولما سبقوا في الطاعات وسارعوا إليها ظهرت أمانتهم، ففوّض إليهم التدبير.
ويجاب عنه بأن السبق لا يكون سبباً للتدبير كسببية السبح للسبق، والقيام للذهاب، ومجرد الاتصال لا يوجب السببية والمسببية، والأولى أن يقال : العطف بالفاء في المدبرات طوبق به ما قبله من عطف السابقات بالفاء، ولا يحتاج إلى نكتة، كما احتاج إليها ما قبله ؛ لأن النكتة إنما تطلب لمخالفة اللاحق للسابق لا لمطابقته وموافقته.
﴿ فالمدبرات أَمْراً ﴾ قال القشيري : أجمعوا على أن المراد هنا : الملائكة.
وقال الماوردي : فيه قولان : أحدهما الملائكة وهو قول الجمهور.
والثاني أنها الكواكب السبع، حكاه خالد بن معدان عن معاذ بن جبل، وفي تدبيرها الأمر وجهان : أحدهما تدبر طلوعها، وأفولها.
الثاني : تدبر ما قضاه الله فيها من الأحوال.
ومعنى تدبير الملائكة للأمر نزولها بالحلال والحرام، وتفصيلهما، والفاعل للتدبير في الحقيقة، وإن كان هو الله عزّ وجلّ، لكن لما نزلت الملائكة به وصفت به.
وقيل : إن الملائكة لما أمرت بتدبير أهل الأرض في الرياح والأمطار وغير ذلك قيل لها : مدبرات.


الصفحة التالية
Icon