فانظروا أيها الكفرة هل خلق هذه الأشياء الجسيمة أعظم وأصعب أم إعادتكم بعد الموت، وليس عند اللّه صعب وأصعب، ولا هين وأهون، كما سيأتي في الآية ٢٧ من سورة الروم الآتية، لأن إيجاد الأشياء كلها وإعدامها مستو عنده إذ تكون بين الكاف والنون.
وإذا علمتم هذا فاعلموا أيضا أن هذه الأشياء كلها مما عدده هنا
وما لم يعدد خلقها "مَتاعاً لَكُمْ" أيها الناس تتمتعون بها في حياتكم "وَلِأَنْعامِكُمْ" ٣٣ متاعا أيضا لأنها خلقت لمنافعكم.
ولما ذكر اللّه تعالى لمعة من بدء الخلق المشعرة عن توحيده بعد ذكر النبوة، أعقبها بذكر المعاد، لأنه أحد الأصول الثلاثة التي لا ينفك ذكر بعضها عن الآخر، كما أشرنا إليه في الآية ٢٨ من سورة النبأ المارة، فقال جل قوله "فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى " ٣٤ والداهية العظمى وهي القيامة التي تطم كل شيء لشدة هولها وكل شيء دونها "يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ" فيها "ما سَعى " ٣٥ في دنياه وكسبه من خير أو شر لا ينسى منه شيئا "وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى " ٣٦ فلا تخفى على أحد وهناك ينقسم الخلق إلى قسمين "فَأَمَّا مَنْ طَغى " ٣٧ على الناس في دنياه وبغى على حقوقهم "وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا" ٣٨ على الآخرة، وهذا هو القسم الأول المشار إليه في الآية ٧ المارة "فَإِنَّ الْجَحِيمَ" المذكورة، وأظهرت بدل اضمارها لسبق ذكرها تهويلا لشأنها وتخويفا لأهلها.
واعلم أيها القارئ أنه لا يأتي الاسم الظاهر مقام المضمر إلا لأمر ذي بال كما هنا، ومثله في القرآن كثير "هِيَ الْمَأْوى " ٣٩ لهم لا ملجأ لهم غيرها.
ثم ذكر القسم الثاني بقوله عز قوله "وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ" بين يديه في موقف تلك الطامة وعلم أنه محاسب على ما يأتي ويذر في دنياه "وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى " ٤٠ فزجرها وكفّها عن الشهوات المحرمة خوفا من اللّه تعالى