﴿ وَبُرّزَتِ الجحيم ﴾ عطفٌ على جاءتْ أي أظهرتْ إظهاراً بيناً لا يَخْفى على أحدٍ ﴿ لِمَن يرى ﴾ كائناً من كانَ. يُروى أنه يكشفُ عنها فتتلظَّى فيراهَا كلُّ ذي بصرٍ وقرىء وبُرِزَتْ بالتخفيفِ ولمن رَأَى ولمن تَرَى على أن فيهِ ضميرَ الجحيمِ كما في قولِه تعالى :﴿ إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ﴾ وعلى أنه خطابٌ لرسولِ الله ﷺ أي لمَنْ تراهُ من الكفارِ وقولُه تعالَى :﴿ فَأَمَّا مَن طغى ﴾ الخ، جوابُ فإذَا جاءتْ على طريقةِ قولِه تعالَى :﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مّنّى هُدًى ﴾ الآيةَ، وقيلَ : هُو تفصيلٌ للجوابِ المحذوفِ تقديرُه انقسمِ الراؤونَ قسمينِ فأمَّا من الخ، والذي تستدعيهِ فخامةُ التنزيلِ ويقتضيه مقامُ التهويلِ أنَّ الجوابَ المحذوفَ كانَ من عظائمِ الشؤونِ ما لَم تُشاهِدْهُ العيونُ كما مرَّ في قولِه تعالى :﴿ يَوْمَ يَجْمَعُ الله الرسل ﴾ أي فأما من عَتا وتمردَ عن الطاعةِ وجاوزَ الحدَّ في العصيانِ ﴿ وَءَاثَرَ الحياة الدنيا ﴾ الفانيةَ التي هي على جناحِ الفواتِ فانهمكَ فيما متعَ به فيهَا ولم يستعدَّ للحياةِ الأخرويةِ الأبديةِ بالإيمانِ والطاعةِ ﴿ فَإِنَّ الجحيم ﴾ التي ذُكِرَ شأنُها ﴿ هِىَ المأوى ﴾ أي هيَ مأواهُ واللامُ سادَّةٌ مسدَّ الإضافةِ للعلمِ بأن صاحبَ المَأْوى هو الطاغِي كما في قولِكَ : غُضَّ الطَّرْفَ، ودخولُ اللامِ في المَأوى والطرفِ للتعريفِ لأنهما معروفانِ وهيَ إما ضميرُ فصلٍ أو مبتدأٌ. قيلَ : نزلتْ الآيةُ في النضرِ وأبيهِ الحارثِ المشهورينِ بالغُلوِّ في الكُفرِ والطغيانِ ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبّهِ ﴾ أيْ مقامَهُ بين يَدَيْ مالكِ أمرِه يومَ الطامةِ الكُبرَى يومَ يتذكرُ الإنسانُ ما سعَى ﴿ وَنَهَى النفس عَنِ الهوى ﴾ عن الميلِ إليهِ بحكمِ الجبلةِ البشريةِ ولم يعتدَّ بمتاعِ الحياةِ الدُّنيا وزهرتِها ولم يغترَّ بزخارفِها وزينتِها علماً


الصفحة التالية
Icon