وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) ﴾
قوله :﴿ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السماء بناها ﴾ أي أخلقكم بعد الموت، وبعثكم أشدّ عندكم، وفي تقديركم أم خلق السماء؟ والخطاب لكفار مكة، والمقصود به : التوبيخ لهم والتبكيت ؛ لأن من قدر على خلق السماء؟ التي لها هذا الجرم العظيم وفيها من عجائب الصنع وبدائع القدرة ما هو بين للناظرين كيف يعجز عن إعادة الأجسام التي أماتها بعد أن خلقها أوّل مرّة؟ ومثل هذا قوله سبحانه :﴿ لَخَلْقُ السموات والأرض أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ الناس ﴾ [ غافر : ٥٧ ] وقوله :﴿ أَوَ لَيْسَ
١٦٤٩; لَّذِى خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم ﴾
[ ياس : ٨١ ] ثم بيّن سبحانه كيفية خلق السماء فقال :﴿ بناها * رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا ﴾ أي : جعلها كالبناء المرتفع فوق الأرض، ورفع سمكها أي : أعلاه في الهواء، فقوله :﴿ رَفَعَ سَمْكَهَا ﴾ بيان للبناء، يقال سمكت الشيء أي : رفعته في الهواء، وسمك الشيء سموكاً : ارتفع.
قال الفرّاء كل شيء حمل شيئًا من البناء أو غيره فهو سمك، وبناء مسموك، وسنام سامك أي : عال، والسموكات : السموات : ومنه قول الفرزدق :
إن الذي سمك السماء بنى لنا... بيتاً دعائمه أعزّ وأطول
قال البغوي : رفع سمكها، أي : سقفها.
قال الكسائي، والفراء، والزجاج : تمّ الكلام عند قوله :﴿ أَمِ السماء بناها ﴾ لأنه من صلة السماء، والتقدير : أم السماء التي بناها، فحذف التي، ومثل هذا الحذف جائز.
ومعنى ﴿ فَسَوَّاهَا ﴾ : فجعلها مستوية الخلق معدّلة الشكل لا تفاوت فيها، ولا اعوجاج، ولا فطور، ولا شقوق.
﴿ وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا ﴾ الغطش : الظلمة أي : جعله مظلماً، يقال غطش الليل وأغطشه الله، كما يقال أظلم الليل وأظلمه الله، ورجل أغطش، وامرأة غطشى لا يهتديان.


الصفحة التالية
Icon