قال الراغب : وأصله من الأغطش، وهو الذي في عينه عمش، ومنه فلاة غطشى : لا يهتدى فيها، والتغاطش التعامي.
قال الأعشى :
ودهماء بالليل غطشى الفلا... ة يؤنسني صوت قيادها
وقوله :
وغامرهم مدلهم غطش... يعني : غمرهم سواد الليل، وأضاف الليل إلى السماء ؛ لأن الليل يكون بغروب الشمس، والشمس مضافة إلى السماء.
﴿ وَأَخْرَجَ ضحاها ﴾ أي : أبرز نهارها المضيء بإضاءة الشمس، وعبر عن النهار بالضحى ؛ لأنه أشرف أوقاته وأطيبها، وأضافه إلى السماء ؛ لأنه يظهر بظهور الشمس، وهي : منسوبة إلى السماء.
﴿ والأرض بَعْدَ ذَلِكَ دحاها ﴾ أي : بعد خلق السماء، ومعنى ﴿ دحاها ﴾ بسطها، وهذا يدلّ على أن خلق الأرض بعد خلق السماء، ولا معارضة بين هذه الآية، وبين ما تقدّم في سورة فصلت من قوله :﴿ ثُمَّ استوى إِلَى السماء ﴾ [ فصلت : ١١ ] بل الجمع بأنه سبحانه خلق الأرض أوّلاً غير مدحوّة، ثم خلق السماء، ثم دحا الأرض، وقد قدّمنا الكلام على هذا مستوفى هنالك، وقدّمنا أيضاً بحثاً في هذا في أوّل سورة البقرة عند قوله :
﴿ هُوَ الذى خَلَقَ لَكُم مَّا فِى الأرض جَمِيعاً ﴾ [ البقرة : ٢٩ ] وذكر بعض أهل العلم أن بعد بمعنى مع، كما في قوله :﴿ عُتُلٍ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ ﴾ [ القلم : ١٣ ]، وقيل : بعد بمعنى قبل، كقوله :﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور مِن بَعْدِ الذكر ﴾ [ الأنبياء : ١٠٥ ] أي : من قبل الذكر، والجمع الذي ذكرناه أولى، وهو قول ابن عباس وغير واحد، واختاره ابن جرير.
يقال : دحوت الشيء أدحوه : إذا بسطته، ويقال : لعشّ النعامة أدحى ؛ لأنه مبسوط على الأرض.
وأنشد المبرد :
دحاها فلما رآها استوت... على الماء أرسى عليها الجبالا
وقال أمية بن أبي الصلت :
وبثّ الخلق فيها إذا دحاها... فهم قطانها حتى التنادي
وقال زيد بن عمرو بن نفيل :
وأسلمت وجهي لمن أسلمت... له الأرض تحمل صخراً ثقالاً