ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [ عبس : ١٩- ٢١ ] وعموم هذا الزجر يقتضي عموم الحكم وثالثها : وهو أن حمل اللفظ على هذا الوجه أكثر فائدة، واللفظ محتمل له فوجب حمله عليه.
المسألة الثالثة :
قوله تعالى :﴿قُتِلَ الإنسان﴾ دعاء عليه وهي من أشنع دعواتهم، لأن القتل غاية شدائد الدنيا وما أكفره تعجب من إفراطه في كفران نعمة الله، فقوله :﴿قُتِلَ الإنسان﴾ تنبيه على أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب، وقوله :﴿مَا أَكْفَرَهُ﴾ تنبيه على أنواع القبائح والمنكرات، فإن قيل الدعاء على الإنسان إنما يليق بالعاجز والقادر على الكل كيف يليق به ذاك ؟ والتعجب أيضاً إنما يليق بالجاهل بسبب الشيء، فالعالم بالكل كيف يليق به ذاك ؟ الجواب : أن ذلك ورد على أسلوب كلام العرب وتحقيقة ما ذكرنا أنه تعالى بين أنهم استحقوا أعظم أنواع العقاب لأجل أنهم أتوا بأعظم أنواع القبائح، واعلم أن لكل محدث ثلاث مراتب أوله ووسطه وآخره، وأنه تعالى ذكر هذه المراتب الثلاثة للإنسان.
أما المرتبة الأولى : فهي قوله :
مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (١٨)
وهو استفهام وغرضه زيادة التقرير في التحقير.
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (١٩)
ثم أجاب عن ذلك الاستفهام بقوله :﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ﴾ ولا شك أن النطفة شيء حقير مهين والغرض منه أن من كان أصله ( من ) مثل هذا الشيء الحقير، فالنكير والتجبر لا يكون لائقاً به.