وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾
"كلاَّ" كلمة ردع وزجر ؛ أي ما الأمرُ كما تفعل مع الفريقين ؛ أي لا تفعل بعدها مثلها : من إقبالك على الغنِيّ، وإعراضك عن المؤمن الفقير.
والذي جرى من النبيّ ﷺ كان تركَ الأولَى كما تقدّم، ولو حُمِل على صغيرة لم يبعد ؛ قاله القُشيري.
والوقف على "كَلاّ" على هذا الوجه : جائز.
ويجوز أن تقف على "تَلَهَّى" ثم تبتدىء "كَلاّ" على معنى حَقّاً.
﴿ إِنَّهَا ﴾ أي السورة أو آيات القرآن ﴿ تَذْكِرَةٌ ﴾ أي موعظة وتبصرة للخلق ﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ أي اتعظ بالقرآن.
قال الجُرجاني :"إِنها" أي القرآن، والقرآن مذكر إلا أنه لما جعل القرآن تذكرة، أخرجه على لفظ التذكرة، ولو ذَكّره لجاز ؛ كما قال تعالى في موضع آخر :﴿ كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ ويدل على أنه أراد القرآن قوله :﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ أي كان حافظاً له غير ناس ؛ وذكَّر الضمير، لأن التذكرة في معنى الذكر والوعظ.
وروي الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى :﴿ فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ ﴾ قال من شاء اللَّهُ تبارك وتعالى ألهمه.
ثم أخبر عن جلالته فقال :﴿ فَي صُحُفٍ ﴾ جمع صحيفة ﴿ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ أي عند الله ؛ قاله السُّدِّي.
الطبريّ :"مُكَرَّمةٍ" في الدين لما فيها من العلم والحِكَم.
وقيل :"مُكَرمةٍ" لأنها نزل بها كرام الحفظة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ.
وقيل :"مكرمة" لأنها نزلت من كريم ؛ لأن كرامة الكتاب من كرامة صاحبه.
وقيل : المراد كُتُب الأنبياء ؛ دليله :﴿ إِنَّ هذا لَفِي الصحف الأولى.
صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وموسى ﴾
[ الأعلى : ١٨-١٩ ].
﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ رفيعة القدر عند الله.
وقيل : مرفوعة عنده تبارك وتعالى.
وقيل : مرفوعة في السماء السابعة، قاله يحيى بن سلام.
الطبريّ : مرفوعة الذكر والقدر.
وقيل : مرفوعة عن الشُّبَه والتناقض.


الصفحة التالية
Icon