الشريفةِ لكنها ليستْ مما أُلقي على من استغنى عنه واستحقَ بسببِ ذلكَ ما سيأتِي من الدعاءِ عليهِ والتعجبِ من كفرِه المفرطِ لنزولِها بعد الحادثةِ وأما من جوَّز رجوعَهما إلى العتابِ المذكورِ فقد أخطأَ وأساءَ الأدبَ وخبطَ خبطاً يقضي منه العجبُ فتأمَّل وكُن على الحقِّ المبينِ.
وقولُه تعالَى :﴿ فَى صُحُفٍ ﴾ متعلقٌ بمضمرٍ هُو صفةٌ لتذكرةٌ وما بينهما اعتراضٌ جِيء بهِ للترغيبِ فيها والحثِّ على حفظِها أي كائنةٌ في صحفٍ منتسخةٍ من اللوحِ أو خبرٌ ثانٍ لأنَّ ﴿ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ عندَ الله عزَّ وجلَّ ﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ أي في السماءِ السابعةِ، أو مرفوعةِ المقدارِ والذكرِ ﴿ مُّطَهَّرَةٍ ﴾ منزهةٍ عن مساسِ أيدِي الشياطينِ.
﴿ بِأَيْدِى سَفَرَةٍ ﴾ أي كتبةٍ من الملائكةِ ينتسخونَ الكتبَ من اللوحِ على أنه جمعُ سافرٍ من السفرِ وهو الكتبِ وقيل : بأيدِي رسلٍ من الملائكةِ يسفرونَ بالوحْي بينَهُ تعالَى وبين الأنبياءِ على أنه جمعُ سفيرٍ من السفارةِ وحملُهم على الأنبياءِ عليهم السلامُ بعيدٌ فإن وظيفتَهم التلقِّي من الوَحْي لا الكتبُ منه وإرشادُ الأمةِ بالأمرِ والنَّهي وتعليمُ الشرائعِ والأحكامِ لا مجردُ السفارةِ إليهم وكذَا حملُهم على القراءِ لقراءتِهم الأسفارَ أو على أصحابِه عليه الصلاةُ والسلامُ وقد قالُوا : هذه اللفظةُ مختصةٌ بالملائكةِ لا تكادُ تطلقُ على غيرِهم وإن جازَ الإطلاقُ بحسبِ اللغةِ والباءُ متعلقةٌ بمطهرةٍ. قال القَفَّالُ : لما لم يمسَّها إلا الملائكةُ المطهرونَ أضيفَ التطهيرُ إليها لطهارة من يمسُّها، وقال القرطبيُّ : إن المرادَ بما في قوله تعالى :﴿ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون ﴾ هؤلاء السفرةُ الكرامُ البررةُ.


الصفحة التالية
Icon