فيكون ضمير ﴿ إنها تذكرة ﴾ عائداً إلى الآيات التي قرأها النبي ﷺ عليهم في ذلك المجلس ثم أعيد عليها الضمير بالتذكير للتنبيه على أن المراد آيات القرآن.
ويؤيد هذا الوجهَ قولُه تعالى عَقبه :﴿ قتل الإنسان ما أكفره ﴾ [ عبس : ١٧ ] الآيات حيث ساق لهم أدلة إثبات البعث.
فكان تأنيث الضمير نكتةً خصوصية لتحميل الكلام هذه المعاني.
والضمير الظاهر في قوله :﴿ ذكره ﴾ يجوز أن يعود إلى ﴿ تذكرة ﴾ لأن مَا صَدْقَها القرآن الذي كان النبي ﷺ يعرضه على صناديد قريش قُبيل نزول هذه السورة، أي فمن شاء ذكرَ القرآن وعمل به.
ويجوز أن يكون الضمير عائداً إلى الله تعالى فإن إعادة ضمير الغيبة على الله تعالى دون ذِكر معاده في الكلام كثير في القرآن لأن شؤونه تعالى وأحكامه نزل القرآن لأجلها فهو ملحوظ لكل سامع للقرآن، أي فمن شاء ذكر الله وتوخّى مرضاته.
والذِكر على كلا الوجهين : الذكر بالقلب، وهو توخّي الوقوف عند الأمر والنهي.
وتعدية فعل ( ذكر ) إلى ذلك الضمير على الوجهين على حذف مضاف يناسب المقام.
والذي اقتضى الإِتيانَ بالضمير وكونه ضمير مذكر مراعاةُ الفواصل وهي :﴿ تذكرهْ، مطهرهْ، سفرهْ، بررهْ ﴾.
وجملة :﴿ فمن شاء ذكره ﴾ معترضة بين قوله :﴿ تذكرة ﴾ وقوله :﴿ في صحف ﴾.
والفاء لتفريع مضمون الجملة على جملة ﴿ إنها تذكرة ﴾ فإن الجملة المعترضة تقترن بالفاء إذا كان معنى الفاء قائماً، فالفاء من جملة الاعتراض، أي هي تذكرة لك بالأصالة وينتفع بها من شاء أن يتذكر على حسب استعداده، أي يتذكر بها كل مسلم كقوله تعالى :﴿ وإنه لذكر لك ولقومك ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ].
وفي قوله :﴿ فمن شاء ذكره ﴾ تعريض بأن موعظة القرآن نافعة لكل أحد تجرد عن العناد والمكابرة، فمن لم يتعظ بها فلأنه لم يشأ أن يتعظ.


الصفحة التالية
Icon