وهذا كقوله تعالى :﴿ إنما أنت منذر من يخشاها ﴾ [ النازعات : ٤٥ ] وقوله :﴿ لمن شاء منكم أن يستقيم ﴾ [ التكوير : ٢٨ ] وقوله :﴿ وإنه لتذكرة للمتقين ﴾ [ الحاقة : ٤٨ ] ونحوه كثير، وقد تقدم قريب منه في قوله تعالى :﴿ فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلاً ﴾ في سورة الإنسان ( ٢٩ ).
والتذكرة : اسم لما يُتذكر به الشيءُ إذا نُسي.
قال الراغب : وهي أعم من الدلالة والأمارة قال تعالى :﴿ فما لهم عن التذكرة معرضين ﴾ وتقدم نظيره في سورة المدثر ( ٤٩ ).
وكل من تذكرة } و ﴿ ذكره ﴾ هو من الذكر القلبي الذي مصدره بضم الدال في الغالب، أي فمن شاء عمل به ولا ينسه.
والصحف : جمع صحيفة، وهي قطعة من أديم أو وَرَق أو خرقةٌ يكتب فيها الكتاب، وقياس جمعها صحائف، وأما جمعها على صحف فمخالف للقياس، وهو الأفصح ولم يرد في القرآن إلا صُحف، وسيأتي في سورة الأعلى، وتطلق الصحيفة على ما يكتب فيه.
و﴿ مطهرة ﴾ اسم مفعول مِن طَهَّره إذا نظَّفه.
والمراد هنا : الطهارة المجازية وهي الشرف، فيجوز أن يحمل الصحف على حقيقته فتكون أوصافها بـ ﴿ مُكرمة، مرفوعة، مطهرة ﴾ محمولة على المعاني المجازية وهي معاني الاعتناء بها كما قال تعالى :﴿ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ﴾ [ النمل : ٢٩ ].
وتشريفها كما قال تعالى :﴿ إن كتاب الأبرار لفي عليين ﴾ [ المطففين : ١٨ ] وقُدسِيةِ معانيها كما قال تعالى :﴿ ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم ﴾ [ البقرة : ١٢٩ ]، وكان المرادُ بالصحف الأشياء التي كتب فيها القرآن من رقوق وقراطيسَ، وأكتاف، ولِخاف، وجريد.
فقد روي أن كتَّاب الوحي كانوا يكتبون فيها كما جاء في خبر جمع أبي بكر للمصحف حين أمر بكتابته في رقوق أو قراطيس، ويكون إطلاق الصحف عليها تغليباً ويكون حرف ( في ) للظرفية الحقيقية ويكون المراد بالسفرة جمع سافر، أي كاتب، وروي عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon