فصل


قال الفخر :
واعلم أن عادة الله تعالى جارية في القرآن بأنه كلما ذكر الدلائل الموجودة في الأنفس، فإنه يذكر عقيبها الدلائل الموجودة في الآفاق فجرى ههنا على تلك العادة وذكر دلائل الآفاق وبدأ بما يحتاج الإنسان إليه.
فقال :﴿فَلْيَنظُرِ الإنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ ﴾.
الذي يعيش به كيف دبرنا أمره، ولا شك أنه موضع الاعتبار، فإن الطعام الذي يتناول الإنسان له حالتان إحداهما : متقدمة وهي الأمور التي لا بد من وجودها حتى يدخل ذلك الطعام في الوجود والثانية : متأخرة، وهي الأمور التي لا بد منها في بدن الإنسان حتى يحصل له الانتفاع بذلك الطعام المأكول، ولما كان النوع الأول أظهر للحسن وأبعد عن الشبهة، لا جرم اكتفى الله تعالى بذكره، لأن دلائل القرآن لا بد وأن تكون بحيث ينتفع بها كل الخلق، فلا بد وأن تكون أبعد عن اللبس والشبهة، وهذا هو المراد من قوله :﴿فلينظر الإنسان إلى طعامه﴾ واعلم أن النبت إنما يحصل من القطر النازل من السماء الواقع في الأرض، فالسماء كالذكر، والأرض كالأنثى فذكر في بيان نزل القطر.
قوله :﴿أَنَّا صَبَبْنَا الْمَآءَ صَبًّا ﴾.
وفيه مسألتان : المسألة الأولى :
قوله ﴿صببنا﴾ المراد منه الغيث، ثم انظر في أنه كيف حدث المشتمل على هذه المياه العظيمة، وكيف بقي معلقاً في جو السماء مع غاية ثقله، وتأمل في أسبابه القريبة والبعيدة، حتى يلوح لك شيء من آثار نور الله وعدله وحكمته، وفي تدبير خلقة هذا العالم.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon