لأنها نزلت من اللوح المحفوظ مرفوعة عند ربك هنا لك مطهرة، لا يمسها إلا المطهرون، وهذا مثل قوله: ﴿فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْراً﴾.
جعل [/ب] الملائكة والصحف مطهرة ؛ لأن الصحف يقع عليها التطهير، فجعل التطهير لمن حملها أيضاً.
﴿ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ ﴾
وقوله عز وجل: ﴿بِأَيْدِي سَفَرَةٍ...﴾.
وهم الملائكة، واحدهم سافر، والعرب تقول: سفرت بين القوم إذا أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحى الله تبارك وتعالى وتأديبه كالسفير الذى يصلح بين القوم، قال الشاعر
وما أدعُ السِّفارةَ بينَ قومى * وما أمْشى بغشٍّ إن مَشَيْتُ
والبررة: الواحد منهم فى قياس العربية بار ؛ لأن العرب لا تقول: فَعَلة يَنْووُنَ به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل: كافر وكفرة، وفاجر فجرة. فهذا الحكم على واحده بار، والذى تقول العرب: رجل بَرّ، وامرأة برة، ثم جمع على تأويل فاعل، كما قالوا: قوم خَيَرَة بَرَرَة. سمعتها من بعض العرب، وواحد الخَيرَة: خيّر، والبررة: برٌّ. ومثله: قوم سَراةٌ، واحدهم: سِرىّ. كان ينبغى أن يكون ساريا. والعرب إذا جمعت: ساريا جمعوه بضم أوله فقالوا: سُراة وغُزاة. فكأنهم إذ قالوا: سُرَاة: كرهوا أن يضموا أوله. فيكون الواحد كأنه سارٍ، فأرادوا أن يفرقوا بفتحة أول سَراةٍ بين: السرىّ والسارى.
﴿ قُتِلَ الإِنسَانُ مَآ أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ * مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾
وقوله عز وجل: ﴿مَآ أَكْفَرَهُ...﴾.
يكون تعجبا، ويكون: ما الذى أكفره؟ وبهذا الوجه الآخر جاء التفسير، ثم عجّبه، فقال ﴿مِنْ أَيِّ شَيءٍ خَلَقَهُ...﴾ ثم [/ا] فسّر فقال: ﴿مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ...﴾ أطورا نطفة، ثم علقة إلى آخر خلقِه، وشقيا أو سعيدا، وذكرا أو أنثى.
﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ﴾
وقوله عز وجل: ﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ...﴾.


الصفحة التالية
Icon