قوله تعالى :﴿ من أي شيء خلقه ﴾ استفهام على معنى التقرير على تفاهة الشيء الذي خلق الإنسان منه، وهي عبارة تصلح للتحقير والتعظيم والقرينة تبين الغرض، وهذا نظير قوله :﴿ لأي يوم أجلت ليوم الفصل ﴾ [ المرسلات : ١٣ ] واللفظ المشار إليه ماء الرجل وماء المرأة، وقرأ جمهور الناس :" فقدّره " بشد الدال، وقرأ بعض القراء :" فقدّره " بتخفيفها، والمعنى جعله بقدر واحد معلوم من الأعضاء والخلق والأجل وغير ذلك من أنحائه حسب إرادته تعالى في إنسان إنسان، واختلف المتأولون في معنى قوله :﴿ ثم السبيل يسره ﴾ فقال ابن عباس وقتادة وأبو صالح والسدي : هي سبيل الخروج من بطن المرأة ورحمها، وقال الحسن ما معناه : إن ﴿ السبيل ﴾ هي سبيل النظر القويم المؤدي إلى الإيمان، وتيسره له هو هبة العقل، وقال مجاهد : أراد ﴿ السبيل ﴾ عامة اسم الجنس في هدى وضلال أي يسر قوماً لهذا كقوله تعالى :﴿ إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً ﴾ [ الإنسان : ٣ ]، وقوله تعالى :﴿ وهديناه النجدين ﴾ [ البلد : ١٠ ] وقوله تعالى :﴿ فأقبره ﴾ معناه أمر أن يجعل له قبر، وفي ذلك تكريم لئلا يطرح كسائر الحيوان، والقابر هو الذي يتناول جعل الميت في قبره، والمقبر الذي يأمر بقبر الميت، ويقرره، و﴿ أنشره ﴾ معناه : أحياه، يقال : نشر الميت وأنشره الله، وقوله :﴿ إذا شاء ﴾ يريد إذا بلغ الوقت الذي شاءه وهو يوم القيامة، وقرأ بعض القراء :﴿ شاء أنشره ﴾ بتحقيق الهمزتين، وقرأ جمهور الناس :﴿ شاء أنشره ﴾ بمدة وتسهيل الهمزة الأولى، وقرأ شعيب بن أبي حمزة :" شاء نشره "، وقرأ الأعمش :" شاء انشره " بهمزة واحدة، وقوله تعالى :﴿ كلا لما يقض ما أمره ﴾ رد لما عسى أن للكفار من الاعتراضات في هذه الأقوال المسرودة ونفي مؤكد لطاعة الإنسان لربه وإثبات أنه ترك حق الله تعالى، ولم يقض ما أمره، قال مجاهد : لا يقضي أحد أبداً ما افترض عليه، ثم أمر


الصفحة التالية
Icon