وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ ﴾
لما ذكر جل ثناؤه ابتداء خلق الإنسان، ذكر ما يُسَّر من رزقه ؛ أي فلينظر كيف خَلَق الله طعامه.
وهذا النظر نظر القلب بالفكر ؛ أي ليتدبرْ كيف خَلَق الله طعامَه الذي هو قِوام حياته، وكيف هيأ له أسباب المعاش، ليستعد بها للمعاد.
ورُوِي عن الحسن ومجاهد قالا :﴿ فَلينْظرِ الإنسان إِلى طعامِهِ ﴾ أي إلى مُدْخله ومُخْرجه.
وروى ابن أبي خيْثمة " عن الضحاك بن سفيان الكلابيّ قال : قال لي النبي ﷺ :"يا ضحاكُ ما طعامك" قلت : يا رسول الله! اللَّحم واللبن ؛ قال :"ثم يصير إلى ماذا" قلت إلى ما قد علمته ؛ قال :"فإنّ الله ضرب ما يخرج من ابن آدم مثلاً للدنيا" " وقال أبيّ بن كعب : قال النبي ﷺ :" إن مَطْعَمَ ابن آدم جُعِل مثلاً للدنيا وإن قَزَحَه ومَلَّحه فانظر إلى ما يصير " وقال أبو الوليد : سألت ابن عَمر عن الرجل يدخل الخَلاء فينظر ما يخرج منه ؛ قال : يأتيه الملك فيقول انظر ما بَخِلت به إلى ما صار؟
قوله تعالى :﴿ أَنَّا صَبَبْنَا المآء صَبّاً ﴾ قراءة العامة "إِنا" بالكسر، على الاستئناف.
وقرأ الكوفيون ورُوَيْس عن يعقوب "أَنا" بفتح الهمزة، ف "أنا" في موضع خفض على الترجمة عن الطعام، فهو بدل منه ؛ كأنه قال :"فلينظرِ الإِنسان إِلى طعامِهِ" إلى "أنا صببنا"، فلا يحسُن الوقف على "طعامِهِ" من هذه القراءة.
وكذلك إن رفعت "أَنا" بإضمار هو أنا صببنا ؛ لأنها في حال رفعها مترجِمة عن الطعام.
وقيل : المعنى : لأنا صببنا الماء، فأخرجنا به الطعام، أي كذلك كان.
وقرأ الحسين بن عليّ "أَنَّى" ممال، بمعنى كيف؟ فمن أخذ بهذه القراءة قال : الوقف على "طعامه" تام.
ويقال : معنى "أنَّى" أين، إلا أنّ فيها كناية عن الوجوه ؛ وتأويلها : من أي وجه صَببنا الماء ؛ قال الكميت :
أَنَّى ومِنْ أينَ آبكَ الطَّرَبُ...


الصفحة التالية
Icon