تدبيره وعميت عليه الأنباء إلى أن قال ﴿ما علمت لكم من إله غيري فأوقد لي يا هامان على الطين فاجعل لي صرحاً لعلي أطلع إلى إله موسى﴾ [ القصص : ٣٨ ] ﴿وإني لأظنه كاذباً وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل﴾ [ غافر : ٣٧ ] فأنى يزكى؟ ولو سبقت له سعادة لأبصر من حاله عين اللهو وللعب حين مقالته الشنعاء ﴿أم أنا خير من هذا الذي هو مهين﴾ [ الزخرف : ٥٢ ].
ولما سبقت لابن أم مكتوم الحسنى لم يضره عدم الصيت الدنياوي ولا أخل به عماه بل عظّم ربه شأنه لما نزل في حقه ﴿وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى﴾ [ عبس : ٢ - ٤ ] فيا له صيتاً ما أجله بخلاف من قدم ذكره ممن طرد فلم يتزك ولم ينتفع بالذكرى حين قصد بها
﴿إنما أنت منذر من يخشاها﴾ [ النازعات : ٤٥ ] كابن أم مكتوم، ومن نمط ما نزل في ابن أم مكتوم قوله تعالى :﴿واصبر نفسك مع الذي يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾ [ الكهف : ٢٨ ] وقوله :﴿ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه﴾ [ الأنعام : ٥٢ ] فتبارك ربنا ما أعظم لطفه بعبيده - اللهم لا تؤيسنا من رحمتك ولا تقنطنا من لطفك ولا تقطع بنا عنك بمنك وإحسانك - انتهى.
ولما كان فعله ذلك فعل من يخشى أن يكون عليه في بقائهم على كفرهم ملامة، بين له أنه سالم من ذلك فقال :﴿وما﴾ أي فعلت ذلك والحال أنه ما ﴿عليك﴾ أي من بأس في ﴿ألا يزكّى﴾ أصلاً ورأساً ولو بأدنى تزك - بما أشار إليه الإدغام - إن عليك إلا البلاغ، ويجوز أن يكون استفهاماً أي وأي شيء يكون عليك في عدم تزكيه وفيه إشارة إلى أنه يجب الاجتهاد في تزكية التابع الذي عرف منه القبول.


الصفحة التالية
Icon