وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ فَلْيَنظُرِ الإنسان إلى طَعَامِهِ ﴾
شروعٌ في تعدادِ النعمِ المتعلقةِ ببقائِه بعد تفصيلِ النعمِ المتعلقةِ بحدوثِه أي فلينظرْ إلى طعامِه الذي عليه يدورُ أمرُ معاشهِ كيفَ دبرنَاهُ. وقولُه تعالى :﴿ أَنَّا صَبَبْنَا الماء صَبّاً ﴾ أي الغيثَ بدلُ اشتمالٍ من طعامِه لأنَّ الماءَ سببٌ لحدوثِ الطعامِ فهُو مشتَملٌ عليهِ. وقُرِىءَ إنَّا على الاستئنافِ، وقُرِىءَ أنى بالإمالةِ. أي كيفَ صببَنا إلى آخرِه أي صببنَاهُ صَّباً عجيباً. ﴿ ثُمَّ شَقَقْنَا الأرض ﴾ أي بالنباتِ ﴿ شَقّاً ﴾ بديعاً لائقاً بما يشقُّها من النباتِ صِغَراً وكِبرَاً وشكلاً وهيئةً. وحملُ شقِّها على ما بالكرابِ بجعلِ إسنادِه إلى نونِ العظمةِ من قبيلِ إسنادِ الفعلِ إلى سببِه يأباهُ كلمةُ ثمَّ. والفاءُ في قولِه تعالى :﴿ فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً ﴾ فإنَّ الشقَّ بالمَعْنى المذكور لا ترتبَ بينَهُ وبين الأمطارِ أصلاً ولا بينَهُ وبينَ إنباتِ الحبِّ بلا مُهلةٍ. وإنَّما الترتيبُ بين الأمطارِ وبينَ الشقِّ بالنبات على التراخِي المعهودِ وبين الشقِّ المذكورِ وبينَ إنباتِ الحبِّ بلا مُهلةٍ، فإنَّ المرادَ بالنبات ما نبتَ من الأرضِ إلى أنْ يتكاملَ النموُّ وينعقدَ الحبُّ فإنَّ انشقاقَ الأرضِ بالنباتِ لا يزالُ يتزايدُ ويتسعُ إلى تلكَ المرتبةِ على أنَّ مساقَ النظمِ الكريمِ لبيانِ النعمِ الفائضةِ من جنابهِ تعالى على وجهٍ بديعٍ خارجٍ عن العاداتِ المعهوةِ كما ينبىءُ عنه تأكيدُ الفعلينِ بالمصدرينِ فتوسيطُ فعلِ المنعمِ عليهِ في حصولِ تلك النعمِ مخلٌّ بالمرامِ.


الصفحة التالية
Icon