﴿ فَإِذَا جَاءتِ الصاخة ﴾ شروعٌ في بيان أحوالِ معادِهم إثرَ بيانِ مبدأِ خلقِهم ومعاشِهم. والفاءُ للدلالة على ترتب ما بعدها على ما قبلها من فُنون النعمِ عن قريب كما يشعرُ لفظُ المتاعِ بسرعة زَوَالِها وقربِ اضمحلالِها. والصاخةُ هي الداهيةُ العظيمةُ التي يصخُّ لها الخلائقُ أي يصيخونَ لها من صخَّ لحديثِه إذا أصاخَ له واستمعَ وصفتْ بها النفخةُ الثانيةُ لأنَّ الناسَ يصيخُونَ لها، وقيل هي الصيحةُ التي تصخُّ الآذانَ أي تصمَّها لشدةِ وقعِها، وقيلَ : هي مأخوذةٌ من صخَّهُ بالحجرِ، أي صكَّهُ. وقولُه تعالى :﴿ يَوْمَ يَفِرُّ المرء مِنْ أَخِيهِ * وَأُمّهِ وَأَبِيهِ * وصاحبته وَبَنِيهِ ﴾ إما منصوبٌ بأعِني تفسيراً للصاخَّة أو بدلٌ منها مبنيٌّ على الفتحِ بالإضافةِ إلى الفعلِ على رَأي الكوفيينَ، وقيلَ بدلٌ من إذَا جاءتْ كما مرَّ في قولِه تعالى :﴿ يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ﴾ الخ أي يعرضُ عنُهم ولا يصاحبُهم ولا يسألُ عن حالِهم كما في الدُّنيا لاشتغالِه بحالِ نفسِه، وأمَّا تعليلُ ذلكَ بعلمِه بأنَّهم لا يُغنونَ عنه شيئاً، أو بالحذرِ من مطالبتِهم بالتبعاتِ فيأباهُ قولُه تعالى :﴿ لِكُلّ امرىء مّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ فإنَّه استئنافٌ واردٌ لبيانِ سببِ الفرارِ أي لكُلِّ واحدٍ من المذكورينَ شغلٌ شاغلٌ وخطبٌ هائلٌ يكفيِه في الاهتمامِ به، وأما الفرارُ حَذَراً من مطالبتِهم أو بُغضاً لهُم كَما يُروَى عن ابنِ عبَّاسٍ رضيَ الله تعالى عنهُمَا أنَّه يفرُّ قابيلُ من أخيِه هابيلَ، ويفرُّ النبيُّ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ منْ أُمِّه، ويفرُّ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ من أبيهِ، ونوحٌ عليهِ السَّلامُ من ابنِه، ولوطٌ عليهِ السَّلامُ من امرأتِه، فليسَ من قبيلِ هذا الفرارِ.