﴿ فَأَنتَ عَنْهُ تلهى ﴾ أي : تتشاغل عنه، وتعرض عن الإقبال عليه، والتلهي : التشاغل، والتغافل، يقال : لهيت عن الأمر ألهي أي : تشاغلت عنه، وكذا تلهيت، وقوله :﴿ كَلاَّ ﴾ ردع له ﷺ عما عوتب عليه، أي : لا تفعل بعد هذا الواقع منك مثله من الإعراض عن الفقير، والتصدّي للغني، والتشاغل به، مع كونه ليس ممن يتزكى عن إرشاد من جاءك من أهل التزكي، والقبول للموعظة، وهذا الواقع من النبيّ ﷺ هو من باب ترك الأولى، فأرشده الله سبحانه إلى ما هو الأولى به ﴿ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ ﴾ أي أن هذه الآيات، أو السورة موعظة حقها أن تتعظ بها، وتقبلها وتعمل بموجبها، ويعمل بها كل أمتك.
﴿ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ﴾ أي : فمن رغب فيها اتعظ بها، وحفظها، وعمل بموجبها، ومن رغب عنها، كما فعله من استغنى، فلا حاجة إلى الاهتمام بأمره.
وقيل : الضميران في " إنها "، وفي ﴿ ذكره ﴾ للقرآن، وتأنيث الأوّل لتأنيث خبره.
وقيل : الأوّل للسورة، أو للآيات السابقة.
والثاني للتذكرة ؛ لأنها في معنى الذكر.
وقيل : إن معنى :﴿ فَمَن شَاء ذَكَرَهُ ﴾ : فمن شاء الله ألهمه، وفهمه القرآن حتى يذكره، ويتعظ به، والأوّل أولى.
ثم أخبر سبحانه عن عظم هذه التذكرة، وجلالتها فقال :﴿ فَى صُحُفٍ ﴾ أي : إنها تذكرة كائنة في صحف، فالجار، والمجرور صفة ل ﴿ تذكرة ﴾، وما بينهما اعتراض، والصحف جمع صحيفة، ومعنى ﴿ مُّكَرَّمَةٍ ﴾ : أنها مكرمة عند الله لما فيها من العلم والحكمة، أو لأنها نازلة من اللوح المحفوظ، وقيل : المراد بالصحف : كتب الأنبياء، كما في قوله :﴿ إِنَّ هذا لَفِى الصحف الأولى صُحُفِ إبراهيم وموسى ﴾ [ الأعلى : ١٨، ١٩ ] ومعنى ﴿ مَّرْفُوعَةٍ ﴾ أنها رفيعة القدر عند الله.
وقيل : مرفوعة في السماء السابعة.


الصفحة التالية
Icon