وقيل : المراد بالإنسان من تقدم ذكره في قوله :﴿ أَمَّا مَنِ استغنى ﴾ وقيل : المراد به الجنس، وهذا هو الأولى، فيدخل تحته كل كافر شديد الكفر، ويدخل تحته من كان سبباً لنزول الآية دخولاً أوّلياً.
ثم ذكر سبحانه ما كان ينبغي لهذا الكافر أن ينظر فيه حتى ينزجر عن كفره، ويكفّ عن طغيانه فقال :﴿ مِنْ أَىّ شَىْء خَلَقَهُ ﴾ أي : من أيّ شيء خلق الله هذا الكافر، والاستفهام للتقرير.
ثم فسر ذلك فقال :﴿ مِن نُّطْفَةٍ خَلَقَهُ ﴾ أيّ : من ماء مهين، وهذا تحقير له.
قال الحسن : كيف يتكبر من خرج من مخرج البول مرّتين، ومعنى ﴿ فَقَدَّرَهُ ﴾ أي : فسوّاه، وهيأه لمصالح نفسه، وخلق له اليدين، والرجلين، والعينين، وسائر الآلات، والحواسّ.
وقيل : قدّره أطواراً من حال إلى حال، نطفة ثم علقة إلى أن تمّ خلقه.
﴿ ثُمَّ السبيل يَسَّرَهُ ﴾ أي : يسرّ له الطريق إلى الخير والشرّ.
وقال السديّ، ومقاتل، وعطاء، وقتادة : يسره للخروج من بطن أمه، والأوّل أولى.
ومثله قوله :﴿ وهديناه النجدين ﴾ [ البلد : ١٠ ] وانتصاب ﴿ السبيل ﴾ بمضمر يدل عليه الفعل المذكور أي، يسر السبيل يسره.
﴿ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ﴾ أي : جعله بعد أن أماته ذا قبر يوارى فيه إكراماً له، ولم يجعله مما يلقى على وجه الأرض تأكله السباع، والطير، كذا قال الفرّاء وقال أبو عبيدة : جعل له قبراً وأمر أن يقبر فيه.
وقال أقبره، ولم يقل قبره ؛ لأن القابر هو الدافن بيده، ومنه قول الأعشى :
لو أسندت ميتاً إلى صدرها... عاش ولم ينقل إلى قابر
﴿ ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ ﴾ أي : ثم إذا شاء إنشاره أنشره أي أحياه بعد موته، وعلق الإنشار بالمشيئة للدلالة على أن وقته غير متعين، بل هو تابع للمشيئة.
قرأ الجمهور :﴿ أنشره ﴾ بالألف، وروى أبو حيوة عن نافع، وشعيب بن أبي حمزة " نشره " بغير ألف، وهما : لغتان فصيحتان.