واعلم أن تقديم المسند إليه في الجمل الثِنْتي عشرة المفتتحات بكلمة ﴿ إذا ﴾ من قوله :﴿ إذا الشمس كورت ﴾ إلى هنا، والإِخْبار عنه بالمسند الفعلي مع إمكان أن يقال : إذا كورت الشمس وإذا انكدرت النجوم، وهكذا كما قال :﴿ فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ﴾ [ الرحمن : ٣٧ ] أن ذلك التقديم لإفادة الاهتمام بتلك الأخبار المجعولة علامات ليوم البعث توسلاً بالاهتمام بأشراطه إلى الاهتمام به وتحقيق وقوعه.
وإن إطالة ذكر تلك الجمل تشويق للجواب الواقع بعدها بقوله :﴿ علمت نفس ما أحضرت ﴾.
وجملة :﴿ علمت نفس ما أحضرت ﴾ يتنازع التعلق به كلمات ﴿ إذا ﴾ المتكررة.
وعن عمر بن الخطاب :"أنه قرأ أول هذه السورة فلما بلغ ﴿ علمت نفس ما أحضرت ﴾ قال : لهذا أجريت القصة" أي هو جواب القسم ومعنى ﴿ علمت ﴾ أنها تعلم بما أحضرت فتعلمه.
وقوله ﴿ نفس ﴾ نكرة في سياق الشرط مُراد بها العموم، أي علمت كل نفس ما أحضرتْ، واستفادة العموم من النكرة في سياق الإثبات تحصل من القرينة الدالة على عدم القصد إلى واحد من الجنس، والقرينة هنا وقوع لفظ نفس في جواب هذه الشروط التي لا يخطر بالبال أن تكون شروطاً لشخص واحد، وقد قال تعالى :﴿ يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً وما عملت من سوء ﴾ [ آل عمران : ٣٠ ].
والإحضار : جعل الشيء حاضراً.
ومعنى :﴿ علمتْ نفس ما أحضرت ﴾ حصول اليقين بما لم يكن لها به علم من حقائق الأعمال التي كان علمها بها أشتاتاً : بَعْضه معلوم على غير وجهه، وبعضه معلوم صورتُه مجهولةٌ عواقبه، وبعضه مغفول عنه.
فنزّل العلم الذي كان حاصلاً للناس في الحياة الدنيا منزلة عدم العلم، وأثبت العلم لهم في ذلك اليوم علم أعمالهم من خير أو شر فيعلَم ما لم يكن له به علم مما يحقره من أعماله ويتذكر ما كان قد علمه من قبل، وتذكُّر المنسي والمغفول عنه نوع من العلم.
وما أحضرته هو ما أسلفته من الأعمال.


الصفحة التالية
Icon