أحدهما : أنه إذا أقبل الصبح أقبل بأقباله روح ونسيم، فجعل ذلك نفساً له على المجاز، وقيل تنفس الصبح.
والثاني : أنه شبه الليل المظلم بالمكروب المحزون الذي جلس بحيث لا يتحرك، واجتمع الحزن في قلبه، فإذا تنفس وجد راحة.
فههنا لما طلع الصبح فكأنه تخلص من ذلك الحزن فعبر عنه بالتنفس وهو استعارة لطيفة.
واعلم أنه تعالى لما ذكر المقسم به أتبعه بذكر المقسم عليه فقال :
إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (١٩)
وفيه قولان :
الأول : وهو المشهور أن المراد أن القرآن نزل به جبريل : فإن قيل : ههنا إشكال قوي وهو أنه حلف أنه قول جبريل، فوجب علينا أن نصدقه في ذلك، فإن لم نقطع بوجوب حمل اللفظ على الظاهر، فلا أقل من الاحتمال، وإذا كان الأمر كذلك ثبت أن هذا القرآن يحتمل أن يكون كلام جبريل لا كلام الله، وبتقدير أن يكون كلام جبريل يخرج عن كونه معجزاً، لاحتمال أن جبريل ألقاه إلى محمد ﷺ على سبيل الإضلال، ولا يمكن أن يجاب عنه بأن جبريل معصوم لا يفعل الإضلال، لأن العلم بعصمة جبريل، مستفاد من صدق النبي، وصدق النبي مفرع على كون القرآن معجزاً، وكون القرآن معجزاً يتفرع على عصمة جبريل، فيلزم الدور وهو محال والجواب : الذين قالوا : بأن القرآن إنما كان معجزاً للصرفة، إنما ذهبوا إلى ذلك المذهب فراراً من هذا السؤال، لأن الإعجاز على ذلك القول ليس في الفصاحة، بل في سلب تلك العلوم والدواعي عن القلوب، وذلك مما لا يقدر عليه أحد إلا الله تعالى.


الصفحة التالية
Icon