فصل


قال الفخر :
النوع الثالث : من تفاريع مسألة الحشر قوله تعالى :
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣)
اعلم أن الله تعالى لما وصف الكرام الكاتبين لأعمال العباد ذكر أحوال العاملين فقال :﴿إِنَّ الأبرار لَفِي نَعِيمٍ﴾ وهو نعيم الجنة ﴿وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ﴾ وهو النار، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
أن القاطعين بوعيد أصحاب الكبائر تمسكوا بهذه الآية، فقالوا : صاحب الكبيرة فاجر، والفجار كلهم في الجحيم، لأن لفظ الجحيم إذا دخل عليه الألف واللام أفاد الاستغراق والكلام في هذه المسألة قد استقصيناه في سورة البقرة، وههنا نكت زائدة لا بد من ذكرها : قالت الوعيدية حصلت في هذه الآية وجوه دالة على دوام الوعيد أحدها : قوله تعالى :﴿يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدين﴾ ويوم الدين يوم الجزاء ولا وقت إلا ويدخل فيه، كما تقول يوم الدنيا ويوم الآخرة الثاني : قال الجبائي : لو خصصنا قوله :﴿وَإِنَّ الفجار لَفِي جَحِيمٍ﴾ لكان بعض الفجار يصيرون إلى الجنة ولو صاروا إليها لكانوا من الأبرار وهذا يقتضي أن لا يتميز الفجار عن الأبرار، وذلك باطل لأن الله تعالى ميز بين الأمرين، فإذن يجب أن لا يدخل الفجار الجنة كما لا يدخل الأبرار النار والثالث : أنه تعالى قال :﴿وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ وهو كقوله :﴿وَمَا هُم بخارجين مِنْهَا﴾ [ المائدة : ٣٧ ] وإذا لم يكن هناك موت ولا غيبة فليس بعدهما إلا الخلود في النار أبد الآبدين، ولما كان اسم الفاجر يتناول الكافر والمسلم صاحب الكبيرة ثبت بقاء أصحاب الكبائر أبداً في النار، وثبت أن الشفاعة للمطيعين لا لأهل الكبائر والجواب عنه : أنا بينا أن دلالة ألفاظ العموم على الاستغراق دلالة ظنية ضعيفة والمسألة قطعية.


الصفحة التالية
Icon