والتمسك بالدليل الظني في المطلوب القطعي غير جائز، بل ههنا ما يدل على قولنا : لأن استعمال الجمع المعرف بالألف واللام في المعهود السابق شائع في اللغة، فيحتمل أن يكون اللفظ ههنا عائداً إلى الكافرين الذين تقدم ذكرهم من المكذبين بيوم الدين، والكلام في ذلك قد تقدم على سبيل الاستقصاء، سلمنا أن العموم يفيد القطع، لكن لا نسلم أن صاحب الكبيرة فاجر، والدليل عليه قوله تعالى في حق الكفار :﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة الفجرة﴾ [ عبس : ٤٢ ] فلا يخلو إما أن يكون المراد ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة﴾ الذين يكونون من جنس الفجرة أو المراد ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الكفرة﴾ وهم ﴿الفجرة﴾ والأول : باطل لأن كل كافر فهو فاجر بالإجماع، فتقييد الكافر بالكافر الذي يكون من جنس الفجرة عبث، وإذا بطل هذا القسم بقي الثاني، وذلك يفيد الحصر، وإذا دلت هذه الآية على أن الكفار هم الفجرة لا غيرهم، ثبت أن صاحب الكبيرة ليس بفاجر على الإطلاق، سلمنا إن الفجار يدخل تحته الكافر والمسلم، لكن قوله :﴿وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ معناه أن مجموع الفجار لا يكونون غائبين، ونحن نقول بموجبه : فإن أحد نوعي الفجار وهم الكفار لا يغيبون، وإذا كان كذلك ثبت أن صدق قولنا إن الفجار بأسرهم لا يغيبون، يكفي فيه أن لا يغيب الكفار، فلا حاجة في صدقه إلى أن لا يغيب المسلمون، سلمنا ذلك لكن قوله :﴿وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ يقتضي كونهم في الحال في الجحيم وذلك كذب، فلا بد من صرفه عن الظاهر، فهم يحملونه على أنهم بعد الدخول في الجحيم يصدق عليهم قوله :﴿وَمَا هُمَ عَنْهَا بِغَائِبِينَ﴾ ونحن نحمل ذلك على أنهم في الحال ليسوا غائبين عن استحقاق الكون في الجحيم، إلا أن ثبوت الاستحقاق لا ينافي العفو، سلمنا ذلك لكنه معارض بالدلائل الدالة على العفو وعلى ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر، والترجيح لهذا الجانب، لأن دليلهم لا بد وأن يتناول جميع