وقال قتادة : ما قدّمت من معصية، وأخرت من طاعة، وقيل : ما قدّم من فرض، وأخّر من فرض، وقيل : أوّل عمله وآخره.
وقيل : إن النفس تعلم عند البعث بما قدّمت وأخرت علماً إجمالياً لأن المطيع يرى آثار السعادة، والعاصي يرى آثار الشقاوة، وأما العلم التفصيلي، فإنما يحصل عند نشر الصحف.
﴿ ياأيها الإنسان مَا غَرَّكَ بِرَبّكَ الكريم ﴾ هذا خطاب الكفار : أي : ما الذي غرّك، وخدعك حتى كفرت بربك الكريم الذي تفضل عليك في الدنيا بإكمال خلقك وحواسك، وجعلك عاقلاً فاهماً، ورزقك وأنعم عليك بنعمه التي لا تقدر على جحد شيء منها.
قال قتادة : غرّه شيطانه المسلط عليه.
وقال الحسن : غرّه شيطانه الخبيث، وقيل : حمقه وجهله.
وقيل : غرّه عفو الله إذ لم يعاجله بالعقوبة أوّل مرّة، كذاقال مقاتل ﴿ الذى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ ﴾ أي : خلقك من نطفة، ولم تك شيئًا، فسوّاك رجلاً تسمع وتبصر وتعقل، ﴿ فعدلك ﴾ جعلك معتدلاً.
قال عطاء : جعلك قائماً معتدلاً حسن الصورة.
وقال مقاتل : عدّل خلقك في العينين، والأذنين، واليدين، والرجلين، والمعنى : عدل بين ما خلق لك من الأعضاء.
قرأ الجمهور :﴿ فعدّلك ﴾ مشدّداً، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بالتخفيف، واختار أبو حاتم، وأبو عبيد القراءة الأولى.
قال الفراء، وأبو عبيد : يدلّ عليها قوله :﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [ التين : ٤ ] ومعنى القراءة الأولى : أنه سبحانه جعل أعضاءه متعادلة لا تفاوت فيها، ومعنى القراءة الثانية : أنه صرفه، وأماله إلى أيّ صورة شاء، إما حسناً وإما قبيحاً، وإما طويلاً وإما قصيراً.