وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) ﴾
فصلت هذه الجملة عن التي قبلها لأنها استئناف بياني جوابٌ عن سؤال يخطر في نفس السامع يثيره قوله :﴿ بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين ﴾ [ الانفطار : ٩، ١٠ ] الآية لتشوف النفس إلى معرفة هذا الجزاء ما هو، وإلى معرفة غاية إقامة الملائكة لإِحصاء الأعمال ما هي، فبُين ذلك بقوله :﴿ إن الأبرار لفي نعيم ﴾ الآية.
وأيضاً تتضمن هذه الجملة تقسيم أصحاب الأعمال فهي تفصيل لجملة ﴿ يعلمون ما تفعلون ﴾ [ الانفطار : ١٢ ] وذلك من مقتضيات فصل الجملة عن التي قبلها.
وجيء بالكلام مؤكداً بـ ﴿ إن ﴾ ولا الابتداء ليساوي البيانُ مبيّنهُ في التحقيق ودفع الإنكار.
وكرر التأكيد مع الجملة المعطوفة للاهتمام بتحقيق كونهم في جحيم لا يطمعوا في مفارقته.
و﴿ الأبرار ﴾ : جمعُ برّ بفتح الباء وهو التقيّ، وهو فَعْل بمعنى فاعل مشتق من بَرَّ يبر، ولفعل برّ اسم مصدر هو برّ بكسر الباء ولا يعرف له مصدر قياسيّ بفتح الباء كأنهم أماتوه لئلا يلتبس بالبَرّ وهو التقيّ.
وإنما سمي التقيّ بَرّاً لأنه بَرَّ ربه، أي صدقه ووفى له بما عهد له من الأمر بالتقوى.
و﴿ الفُجَّار ﴾ : جمع فاجر، وصيغة فُعَّال تطّرد في تكسير فاعل المذكر الصحيح اللام.
والفاجر : المتصف بالفجور وهو ضد البرور.
والمراد بـ ﴿ الفجّار ﴾ هنا : المشركون، لأنهم الذين لا يغيبون عن النار طرفة عين وذلك هو الخلود، ونحن أهل السنة لا نعتقد الخلود في النار لغير الكافر.
فأما عصاة المؤمنين فلا يخلدون في النار وإلا لبطلت فائدة الإِيمان.
والنعيم : اسم ما يَنْعم به الإِنسان.
والظرفية من قوله :"في نعيم" مجازية لأن النعيم أمر اعتباري لا يكون ظرفاً حقيقة، شبه دوام التنعم لهم بإحاطة الظرف بالمظروف بحيث لا يفارقه.
وأما ظرفية قوله :﴿ لفي جحيم ﴾ فهي حقيقية.


الصفحة التالية
Icon