قال تعالى "إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ" ١٣ بالغ وسرور جليل في ذلك اليوم "وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ" ١٤ عظيم فظيع خارج عن عقل أهل الدنيا معرفته أجارتا اللّه منه، والمراد بالفجار هنا الكفرة المتوغلين في الكفر لا العصاة إذ تطلق كلمة فجر على الكاذب والزاني والكافر "يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ" ١٥ حينما يدانون بأعمالهم القبيحة بعد الحساب يوم القيامة "وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ" ١٦ بل محضرون ومطروحون فيها لا يفارقونها طرفة عين، فالمراد استمرار النفي لا نفي الاستمرار، وهذه كقوله تعالى (وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النَّارِ) وقوله تعالى (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) الآيتين ٤٨ من سورة الحجر المارة و١٦٧ من البقرة في ج ٣، ثم عظم شأن ذلك اليوم فقال "وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ" ١٧ أيها الإنسان الغافل "ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ" ١٨ استفهام تعجب جوابه هو يوم ترتعد فيه الفرائص وتشقق لهوله القلوب، وإن ما فية لا تجابهه قوى البشر، وهذا الخطاب عام إلى كل من يتأتى منه الدّراية، وفي التكرير زيادة التفخيم والتعجب.
وما قيل إن الخطاب خاص بالكافر أو خاص بحضرة الرسول لم يثبت فيه شيء، وإن بين هذين القولين وبين الآية المفسرة من البعد ما لا يخفى.
ثم وصف ذلك ببعض صفاته فقال "يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً" فيه من المنافع مؤمنة كانت أو كافرة، وتخصيصها بالكافرة على قول بعض المفسرين لا مبرر له أيضا،
لأن النفس المؤمنة بما فيها نفوس الأنبياء فمن دونهم لا تملك شيئا فيه إلا بتمليك اللّه تعالى إياها.
راجع الآية ٢٨ من سورة الأنبياء المارة، "وَالْأَمْرُ" يكون كله "يَوْمَئِذٍ" في ذلك اليوم كما في غيره "لِلَّهِ" ١٩ وحده اللهم عاملنا فيه بما أنت أهله بلطفك وأنت المنفرد فيه، فلا تكلنا إلى أنفسنا ولا إلى غيرك.


الصفحة التالية
Icon