واعلم أنا ذكرنا في بعض السورة المتقدمة أن الفلاسفة ينكرون إمكان الخرق والالتئام على الأفلاك، ودليلنا على إمكان ذلك أن الأجسام متماثلة في كونها أجساماً، فوجب أن يصح على كل واحد منها ما يصح على الآخر، إنما قلنا : إنها متماثلة لأنه يصح تقسيمها إلى السماوية والأرضية ومورد التقسيم مشترك بين القسمين، فالعلويات والسفليات مشتركة في أنها أجسام، وإنما قلنا : إنه متى كان كذلك وجب أن يصح على العلويات ما يصح على السفليات، لأن المتماثلات حكمها واحد فمتى يصح حكم على واحد منها، وجب أن يصح على الباقي، وأما الإثنان السفليان : فأحدهما : قوله :﴿وَإِذَا البحار فُجّرَتْ﴾ وفيه وجوه أحدهما : أنه ينفذ بعض البحار في البعض بارتفاع الحاجز الذي جعله الله برزخاً، وحينئذ يصير الكل بحراً واحداً، وإنما يرتفع ذلك الحاجز لتزلزل الأرض وتصدعها.
وثانيها : أن مياه البحار الآن راكدة مجتمعة، فإذا فجرت تفرقت وذهب ماؤها وثالثها : قال الحسن : فجرت أي يبست.
واعلم أن على الوجوه الثلاثة، فالمراد أنه تتغير البحار عن صورتها الأصلية وصفتها، وهو كما ذكر أنه تغير الأرض عن صفتها في قوله :﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأرض غَيْرَ الأرض﴾ [ ابراهيم : ٤٨ ] وتغير الجبال عن صفتها في قوله :﴿فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبّي نَسْفاً فَيَذَرُهَا قَاعاً صَفْصَفاً﴾ [ طه : ١٠٦ ١٠٥ ] ورابعها : قرأ بعضهم :﴿فُجّرَتْ﴾ بالتخفيف، وقرأ مجاهد :﴿فُجّرَتْ﴾ على البناء للفاعل والتخفيف، بمعنى بغت لزوال البرزخ نظراً إلى قوله :﴿لاَّ يَبْغِيَانِ﴾ [ الرحمن : ٢٠ ] لأن البغي والفجور أخوان.