وقال الشيخ سيد قطب :
تقديم لسورة المطففين
هذه السورة تصور قطاعا من الواقع العملي الذي كانت الدعوة تواجهه في مكة - إلى جانب ما كانت تستهدفه من إيقاظ القلوب، وهز المشاعر، وتوجيهها إلى هذا الحدث الجديد في حياة العرب وفي حياة الإنسانية، وهو الرسالة السماوية للأرض، وما تتضمنه من تصور جديد شامل محيط.
هذا القطاع من الواقع العملي تصوره السورة في أولها، وهي تتهدد المطففين بالويل في اليوم العظيم، (يوم يقوم الناس لرب العالمين).. كما تصوره في ختامها وهي تصف سوء أدب الذين أجرموا مع الذين آمنوا، وتغامزهم عليهم، وضحكهم منهم، وقولهم عنهم: (إن هؤلاء لضالون !).
وهذا إلى جانب ما تعرضه من حال الفجار وحال الأبرار ; ومصير هؤلاء وهؤلاء في ذلك اليوم العظيم.
وهي تتألف من أربعة مقاطع.. يبدأ المقطع الأول منها بإعلان الحرب على المطففين: (ويل للمطففين. الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ; وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون. ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ؟ يوم يقوم الناس لرب العالمين ؟)..
ويتحدث المقطع الثاني عن الفجار في شدة وردع وزجر، وتهديد بالويل والهلاك، ودمغ بالإثم والاعتداء، وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس، وتصوير لجزائهم يوم القيامة، وعذابهم بالحجاب عن ربهم، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم، ثم بالجحيم مع الترذيل والتأنيب: كلا. إن كتاب الفجار لفي سجين. وما أدراك ما سجين ؟ كتاب مرقوم. ويل يومئذ للمكذبين ! الذين يكذبون بيوم الدين. وما يكذب به إلا كل معتد أثيم، إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين. كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون. كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون. ثم إنهم لصالوا الجحيم. ثم يقال: هذا الذي كنتم به تكذبون..


الصفحة التالية
Icon