واعلم أنه سبحانه جمع في هذه الآية أنواعاً من التهديد، فقال أولا :﴿وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ﴾ [ المطففين : ١ ] وهذه الكلمة تذكر عند نزول البلاء، ثم قال ثانياً :﴿أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ﴾ وهو استفهام بمعنى الإنكار، ثم قال ثالثاً :﴿لِيَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ والشيء الذي يستعظمه الله لا شك أنه في غاية العظمة، ثم قال رابعاً :﴿يَوْمَ يَقُومُ الناس لِرَبّ العالمين﴾ وفيه نوعان من التهديد أحدهما : كونهم قائمين مع غاية الخشوع ونهاية الذلة والانكسار والثاني : أنه وصف نفسه بكونه رباً للعالمين، ثم ههنا سؤال وهو كأنه قال قائل : كيف يليق بك مع غاية عظمتك أي تهيء هذا المحفل العظيم الذي هو محفل القيلة لأجل الشيء الحقير الطفيف ؟ فكأنه سبحانه يجيب، فيقول عظمة الإلهية لا تتم إلا بالعظمة في القدرة والعظمة في الحكمة، فعظمة القدرة ظهرت بكوني رباً للعالمين، لكن عظمة الحكمة لا تظهر إلا بأن انتصف للمظلوم من الظالم بسبب ذلك القدر الحقير الطفيف، فإن الشيء كلما كان أحقر وأصغر كان العلم الواصل إليه أعظم وأتم، فلأجل إظهار العظمة في الحكمة أحضرت خلق الأولين والآخرين في محفل القيامة، وحاسبت المطفف لأجل ذلك القدر الطفيف.
وقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : لفظ المطفف يتناول التطفيف في الوزن والكيل، وفي إظهار العيب وإخفائه، وفي طلب الإنصاف والانتصاف، ويقال : من لم يرض لأخيه المسلم ما يرضاه لنفسه، فليس بمنصف والمعاشرة والصحبة من هذه الجملة، والذي يرى عيب الناس، ولا يرى عيب نفسه من هذه الجملة، ومن طلب حق نفسه من الناس، ولا يعطيهم حقوقهم كما يطلبه لنفسه، فهو من هذه الجملة والفتى من يقضي حقوق الناس ولا يطلب من أحد لنفسه حقاً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣١ صـ ٨٠ ـ ٨٣﴾


الصفحة التالية
Icon