تدارك اتباع الشهوات تركها في المستقبل بل لا بد من محو تلك الآثار التي انطبعت في القلب كما لا يكفي في ظهور الصورة في المرآة قطع الأنفاس والبخارات المسودة لوجهها في المستقبل ما لم يشتغل بمحو ما انطبع فيها من الآثار، وكما يرتفع إلى القلب ظلمة من المعاصي والشهوات فيرتفع إليه نور من الطاعات وترك الشهوات فتنمحي ظلمة المعصية بنور الطاعة، وإليه الإشارة بقوله ـ ﷺ ـ :
" وأتبع السيئة الحسنة تمحها ".
ولما كان ادعاؤهم إنما هو قول قالوه بأفواههم لا يتجاوزها عظيماً جداً، أعاد ردعهم عنه وتكذيبهم فيه فقال :﴿كلا﴾ أي ليس الأمر كما قالوا من الأساطير لا في الواقع ولا عندهم فليرتدعوا عنه أعظم ارتداع.
ولما كان قول الإنسان لما لا يعتقده ولا هو في الواقع كما في غاية العجب لا يكاد يصدق، علله مبيناً أن الحامل لهم عليه إنما هو الحجاب الذي ختم به سبحانه على قلوبهم، فقال مؤكداً لمن ينكر ذلك من المغرورين :﴿إنهم عن ربهم﴾ أي عن ذكر المحسن إليهم وخشيته ورجائه ﴿يومئذ﴾ أي إذ قالوا هذا القول الفارغ.
ولما كان المانع إنما هو الحجاب، بني للمفعول قوله :﴿لمحجوبون﴾ فلذلك استولت عليهم الشياطين والأهوية، فصاروا يقولون ما لو عقلت البهائم لاستحيت من أن تقوله، والأحسن أن تكون الآية بياناً وتعليلاً لويلهم الذي سبق الإخبار به، ويكون التقدير : يوم إذ كان يوم الدين، ويكون المراد الحجاب عن الرؤية، ويكون في ذلك بشارة للمؤمنين بها.