ولما وصف نعيمهم، أخبر أنهم من عراقتهم فيه يعرفهم به كل ناظر إليهم فقال تعالى :﴿تعرف﴾ أي أيها الناظر إليهم - هذا على قراءة الجماعة، وقرأ أبو جعفر ويعقوب بالبناء للمفعول، وهو أدل على العموم ﴿في وجوههم﴾ عند رؤيتهم ﴿نضرة النعيم﴾ أي بهجته ورونقه وحسنه وبريقه وطراوته، من نضر النبات - إذا أزهر ونوّر، وقال الحسن رحمه الله تعالى : النضرة في الوجه والسرور في القلب.
ولما كانت مجالس الأنس لا سيما في الأماكن النضرة لا تطيب إلا بالمآكل والمشارب، وكان الشراب يدل على الأكل، قال مقتصراً عليه لأن هذه السور قصار يقصد فيها الجمع مع الاختصار قال :﴿يسقون﴾ بانياً له للمفعول دلالة على أنهم مخدومون أبداً لا كلفة عليهم في شيء ﴿من رحيق﴾ أي شراب خالص صاف عتيق أبيض مطيب في غاية اللذة، فإنهم قالوا : إن الرحيق الخمر أو أطيبها أو أفضلها أو الخالص أو الصافي، وضرب من الطيب.
ولا شك أن العاقل لا يشرب الخمر مطلقاً فكيف بأعلاها إلا إذا كان مستكملاً لمقدماتها من مأكول ومشروب وملبوس ومنكوح وغير ذلك، ولما كان الختم لا يكون إلا لما عظمت رتبته وعزت نفاسته، قال مريداً الحقيقة، أو الكناية عن نفاسته :﴿مختوم﴾ أي فهو مع نفاسته سالم من الغبار وجميع الأقذاء والأقذار.
ولما كان الختم حين الفك لا بد أن ينزل من فتاته في الشراب قال :﴿ختامه مسك﴾ وقال ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ : إن المراد بختامه آخر طعمه، فيحصل أن ختامه في أول فتحه وفي آخر شربه المسك، وذلك يقتضي أن لا يكون يفتحه إلا شاربه، وأنه يكون على قدر كفايته فيشربه كله، والعبارة صالحة لأن يكون الختام أولاً وآخراً، وهو يجري مجرى افتضاض البكر.