واعلم أن المعتمد في تفسير هذه الآية ما بينا أن العلو والفسحة والضياء والطهارة من علامات السعادة، والسفل والضيق والظلمة من علامات الشقاوة، فلما كان المقصود من وضع كتاب الفجار في أسفل السافلين، وفي أضيق المواضع إذلال الفجار وتحقير شأنهم، كان المقصود من وضع كتاب الأبرار في أعلى عليين، وشهادة الملائكة لهم بذلك إجلالهم وتعظيم شأنهم، وفي الآية وجه آخر، وهو أن المراد من الكتاب الكتابة، فيكون المعنى أن كتابة أعمال الأبرار في عليين، ثم وصف عليين بأنه كتاب مرقوم فيه جميع أعمال الأبرار، وهو قول أبي مسلم.
أما قوله تعالى :﴿كتاب مَّرْقُومٌ﴾ ففيه تأويلان أحدهما : أن المراد بالكتاب المرقوم كتاب أعمالهم والثاني : أنه كتاب موضوع في عليين كتب فيه ما أعد الله لهم من الكرامة والثواب، واختلفوا في ذلك الكتاب، فقال مقاتل : إن تلك الأشياء مكتوبة لهم في ساق العرش.
وعن ابن عباس أنه مكتوب في لوح من زبرجد معلق تحت العرش.
وقال آخرون : هو كتاب مرقوم بما يوجب سرورهم، وذلك بالضد من رقم كتاب الفجار بما يسوءهم، ويدل على هذا المعنى قوله :﴿يَشْهَدُهُ المقربون﴾ يعني الملائكة الذي هم في عليين يشهدون ويحضرون ذلك المكتوب، ومن قال : إنه كتاب الأعمال، قال : يشهد ذلك الكتاب إذا صعد به إلى عليين المقربون من الملائكة كرامة للمؤمن.
إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢)
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما عظم كتابهم في الآية المتقدمة عظم بهذه الآية منزلتهم، فقال :﴿إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ﴾ ثم وصف كيفية ذلك النعيم بأمور ثلاثة أولها : قوله :﴿عَلَى الأرائك يَنظُرُونَ﴾ قال القفال : الأرائك الأسرة في الحجال، ولا تسمى أريكة فيما زعموا إلا إذا كانت كذلك، وعن الحسن : كنا لا ندري ما الأريكة حتى لقينا رجلاً من أهل اليمن أخبرنا أن الأريكة عندهم ذلك.