لقد جنيتك أكمؤا وعسقلا ولقد نهيتك عن بنات الأوبر
واعلم أن هذه السورة آخر ما نزل بمكة قبل الهجرة، وقد ذم اللّه فيها التطفيف وحذر منه، لأن الرسول صلّى اللّه عليه وسلم قادم إلى المدينة، وعادة أكثر أهلها التطفيف ليتلوها عليهم أول قدومه كي ينزجروا عن هذه الخصلة القبيحة المستوجبة العذاب الأكبر في الآخرة، والذم الكثير في الدنيا، وهذه أول رحمة من اللّه نالت أهل المدينة بقدومه صلّى اللّه عليه وسلم، وكان كذلك، لأنه عند دخوله استفتحهم فيها فظن من سمعها أنها نزلت بالمدينة حتى قال بعضهم إنه كان رجل في المدينة يدعى أبا جهينة يشتري بصاع ويبيع بصاع دونه، وأنها نزلت فيه.
ومنهم من قال إنها نزلت بالطريق بين مكة والمدينة، والصحيح أنها نزلت في مكة كما ذكرنا وهو أرجح الأقوال الواردة فيها، واللّه اعلم.
وهذا الوعيد يلحق من يأخذ لنفسه زائدا ويدفع لغيره ناقصا، ويتناول القليل والكثير، وإنما شدد اللّه تعالى في هذا لأن عامة خلقه
محتاجون إلى معاملات الناس وهي مبنية على الكيل والوزن والذراع، والبايع أمين فيما يكيل ويزين ويذرع، والناس يتبايعون ويتعاقدون بالأمانة التي هي ملاك الأمر بينهم أنفسهم وبينهم وبين ربهم، والخيانة مذمومة ملعونة ملعون مرتكبها، لهذا بدأ صلّى اللّه عليه وسلم دعوته في المدينة بها ليرتدعوا عما هم عليه من التطفيف، وليصدقوا في معاملاتهم، ويتناهوا فيما بينهم فتحسن معاملاتهم بعضهم مع بعض، وينجرّ عملهم إلى الإحسان مع خلق اللّه قال نافع كان ابن عمر يمر بالبائع فيقول له اتق اللّه أوف الكيل والوزن، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة حتى يلجمهم العرق.
وقال قتادة أوف يا ابن آدم كما تحب ان يوفى لك، واعدل كما تحب أن يعدل لك.
وقال الفضيل بخس الميزان سوء يوم القيامة.


الصفحة التالية
Icon