وقال ابن عباس رضي اللّه عنهما : كان النبي صلّى اللّه عليه وسلم يبيت طاريا ليالي ماله ولا لأهله عشاء، وكان عامة طعامه الشعير، وكان يعصب على بطنه الحجر من الجوع، وكان يأكل خبز الشعير غير منخول، وقد عرضت عليه مفاتيح كنوز الأرض فأبى أن يقبلها، وكان صلّى اللّه عليه وسلم يقول اللهم توفني فقيرا ولا تتوفني غنيا، واحشرني في زمرة المساكين.
وقال جابر رضي اللّه عنه : دخل النبي صلّى اللّه عليه وسلم على ابنته فاطمة الزهراء رضي اللّه عنها وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من وبر الإبل، فبكى وقال تجرعي يا فاطمة مرارة الدنيا لنعيم الآخرة.
قال تعالى (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى ) الآية ٣ من سورة والضحى في ج ١، وقال صلّى اللّه عليه وسلم الفقر موهبة من مواهب الآخرة وهبها اللّه تعالى لمن اختاره ولا يختاره إلا أولياء اللّه.
وقال صلّى اللّه عليه وسلم هل تنصرون إلا بفقرائكم وضعفائكم، والذي نفسي بيده ليدخلن فقراء أمتي الجنة قبل اغنيائها بخمسمائة عام والأغنياء يحاسبون على زكاتهم.
وقال صلّى اللّه عليه وسلم رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به (أي ثوبين خلقين أو كساءين باليبن من غير الصوف) لو أقسم على اللّه لأبرّه.
أي لو قال اللهم إني أسألك الجنة لأعطاه إياها، ولم يعطه من الدنيا شيئا، ولو أقسم على اللّه تعالى بإعطائه لأعطاه إياها، ولكنه لا يفعل.
وقال صلّى اللّه عليه وسلم إن أهل الجنة كل أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه به (ثم بين صفة الذين لا يؤبه بهم بقوله) الذين إذا استأذنوا على الأمير لا يؤذن لهم، وإن خطبوا النساء لم ينكحوا، وإذا قالوا لم ينصت لهم، حوائج أحدهم تلجلج في صدره، لو قسم نوره على الناس يوم القيامة لوسعهم.
هؤلاء الفقراء الذين كانوا ولا يزالون أهل الدنيا يسخرون منهم، وهم خير منهم عند اللّه تعالى.


الصفحة التالية
Icon