إن حضرة الرسول وأبا بكر لما ذهبا إلى الغار، وجاء المشركون إليه، فلم يدخلوه لما رأوا عليه من نسج العنكبوت الدال على عدم دخوله من قبل أحد رجعوا يتحرونة خارج مكة، لأنهم يعلمون أن أحدا لا يدخله داره بعد أن تحالفوا وتواثقوا على قتله، وبقي صلّى اللّه عليه وسلم ورفيقه في الغار ثلاثة أيام.
روى البخاري ومسلم عن أبي بكر الصديق رضي اللّه عنه قال نظرت إلى أقدام المشركين ونحن في الغار وهم على رءوسنا، فقلت يا رسول اللّه لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه، فقال يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللّه ثالثهما ؟.
قال الشيخ محي الدين النووي :
معناه ثالثهما بالنصر والمعونة والحفظ والتسديد، وهو كقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) الآية من آخر سورة النحل المارة، ويشير قوله هذا إلى عظيم توكله صلّى اللّه عليه وسلم حتى في هذا المقام، وتؤذن بفضل أبي بكر واختصاصه برفقته هذه لحضرة الرسول التي أشار اللّه إليها في قوله (إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن اللّه معنا)، وقوله في صدر هذه الآية ٤٢ من سورة التوبة ج ٣ (إلّا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار) وتعد هذه من أجل مناقبه رضي اللّه عنه في هذه الحادثة من أوجه كثيرة، منها اللفظ الدال على أن اللّه تعالى ثالثهما كما مر في الحديث، ومنها التنويه في الآية المذكورة بصحبته،
ومنها بذله نفسه لحضرة الرسول ومفارقته أهله وماله ورياسته في طاعة اللّه تعالى وطاعة رسوله، ومنها ملازمة النبي صلّى اللّه عليه وسلم ومعاداة الناس من أجله، ومنها أنه جعل نفسه وقاية لحضرة الرسول، فقد روي عن عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه أنه ذكر عنده أبو بكر، فقال وددت أن عملي كله مثل عمله يوما واحدا من أيامه، وليلة واحدة من لياليه.


الصفحة التالية
Icon