قومي فإنهم لا يعلمون، وإنما كانت هجرته هذه اتباعا لأمر اللّه تعالى وتقديره الأزلي في ذلك، وكان فيها الخير والبركة وعلو الكلمة وشرف السمعة، وان قومه بعد رجوعهم من طلبه وسماعهم قول سراقة وما جرى له معه، راجعوا أنفسهم ورأوا أنهم مقصرون تجاهه، وانشقوا في الرأي وأوقعوا اللوم على الذين قرورا قتله في دار الندوة حتى نشأ عنه تركه إياهم وصاروا يمحصون أقواله ويفندون أفعاله، فلم يروا منها ما يوجب النقد أو النفع الخاص أو الضرر لأحد، أو أن ذلك لطلب الرياسة أو المال أو غيره، وإنما يدعو لتوحيد اللّه، وهذا شيء لم يألفوه من قبل ولم يتلقوا شيئا منه عن آبائهم فخالقوه، ويدعو للاعتراف بالبعث بعد الموت وهو لا تقبله عقولهم، وان هذين الأمرين ما كان أحد منهم يقسر على الاعتراف بهما، وإنما على طريق النصح والإرشاد وليس إلا، لذلك تيقنوا ان سقط في أيديهم وندموا على ما فعلوا وعنقوا غيرهم عليه، وقالوا إنه سيجد في المدينة أنصارا وأعوانا ربما أنّهم سيهاجموكم في عقر داركم هذه، وقد أوقع اللّه الرعب في قلوبهم وصاروا يترقبون خوف الكرة عليهم بمن دان بدينه، وكان ذلك، إذ أظهره اللّه عليهم وأتم أمره فيهم، كما سيأتي في قصة الفتح إن شاء اللّه تعالى عند تفسير الآية الأولى من سورة الفتح في ج ٣، هذا وما ذكرناه من الأحاديث هو خلاصة ما جاء في الهجرة وسببها وكيفيتها، ومن أراد التفصيل فعليه بمراجعة سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية، ففيهما الكفاية.


الصفحة التالية
Icon