فصل فى التفسير الموضوعى للسورة كاملة


قال الشيخ محمد الغزالى :
سورة المطففين
وسورة المطففين تجئ بعد الانفطار كأنها تكملة لها، وتفصيل لعلاقات العمل بالجزاء. وهى علاقة يستحيل فصمها، وإن اختل تصور المسلمين لها فى أيام اضمحلالهم. هناك أنانيون لا يشعرون إلا بمطالبهم وإن كانت باطلا، ويضيقون بمطالب غيرهم وإن كانت حقا. هؤلاء ينطلقون فى المدائن والقرى كأنهم وحوش نهمة لا يعرفون إلا ما يشتهون. وقد يكون المظهر القريب للتطفيف ما قاله تعالى " الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون * وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ". بيد أن هذا السلوك يطرد فى صور شتى للحياة. فهناك ناس كما يقول العامة " بعيرهم جمل ". أما ما يملكه الآخرون فلا حرمة له.! ويستحيل أن تصلح الحياة بتلك المشاعر المتناقضة المتظالمة ولا بوجهات النظر القائمة على الهوى الشخصى " إن الذين لا يؤمنون بالآخرة زينا لهم أعمالهم فهم يعمهون * أولئك الذين لهم سوء العذاب وهم في الآخرة هم الأخسرون ". الإيمان بالله واليوم الآخر يعصم من هذه الدنايا، ويقيد الأيدى فلا تفتك، والرغبات فلا تجمح، والضمائر فلا تجور، ولذلك قال فى المطففين " ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين ". ومستقبل الناس عند ربهم لا تقرره فلتات اللسان ولا عثرات الطريق، وإنما تقرره مناهج مرسومة وعادات مستحكمة. فالخطأ العابر يوشك المؤمن أن يطهر منه، أما البرنامج الموضوع لحياة هابطة فهو أساس الهلاك. وفى الحديث " إن العبد إذا أخطأ خطيئة، نكت فى قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نرع واستغفر وتاب صقل قلبه. فإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه ". وذلك هو الران الذى قال الله فيه " كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون * ثم إنهم لصالو الجحيم". وقال الحسن البصرى: " الران هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب فيموت ".


الصفحة التالية
Icon