﴿ كَلَّا ﴾ أي : ليست هذه الآيات بأساطير الأولين، بل هي الحق المبين والشفاء لما في الصدور ﴿ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ أي : غطى على مداركهم ما اكتسبوهُ من الآثام حتى كدّر جوهرها وصار صدأ عليها بالرسوخ فيها. و الرين أصل معناه الصدأ والوسخ القارّ، شبه به حب المعاصي الراسخ في النفس، وذلك أنه يحصل من تكرار الفعل ملكةٌ راسخة لا تقبل الزوال، وصفة للنفس قارّة فيها ؛ فبكثرة المعاصي يرسخ حبها في القلب بحيث لا يزول، كالصدأ الذي لا يزول بسهولة. قال في " الأساس " : الران ما غطى القلب وركبه من القسوة للذنب بعد الذنب، من قولهم : ران عليه الشراب والنُّعاس، و : ران به، إذا غلب على عقله، و : رينَ بفلان، ونظيره الغين.
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ [ ١٥ ].
﴿ كَلَّا ﴾ ردع لهم عن الكسب الرائن على قلوبهم، أو بمعنى حقاً ﴿ إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ قال ابن جرير : أي : فلا يرونه ولا يرون شيئاً من كرامته يصل إليهم، فهم محجوبون عن رؤيته وعن كرامته. وتخصيص الحجب بهؤلاء يقتضي أن غيرهم غير محجوب فيراه الله تعالى ويرى كرامته. قال الشهاب : لما كان الحجاب هو الساتر من ستارة بزّ وغيرها، استعير تارة لعدم الرؤية ؛ لأن المحجوب لا يرى ما حجب، وتارة للإهانة ؛ لأن الحقير يحجب ويمنع من الدخول على الرؤساء ؛ لذا قالت العرب : الناس ما بين مرحوب ومحجوب، أي : معظم ومهان. وهو بمعانيه محال أن يتصف الله، فلا يصح إطلاقه عليه تعالى، كما صرحوا به، وإنما يوصف به الخلق، كما في هذه الآية. فإذا أجري على اسم من أسمائه تعالى، فهو وصف سببيّ لا حقيقيّ. بل التشبيه للخلق.


الصفحة التالية
Icon