﴿ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴾ أي : محترقون بها. وقد أشار القاشانيّ إلى سر ترادف هذه الجمل الكريمة، بأن ما اكتسبوه من الذنوب لما صار كالصدأ على قلوبهم بالرسوخ فيها، كدِّر جوهرها وغيَّرها عن طباعها، فعندها تحقق الحجاب وانغلق باب المغفرة، ولذلك قال :
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ ﴾ لامتناع قبول قلوبهم للنور، وامتناع عودها إلى الصفاء الأول الفطريّ، كالماء الكبريتي مثلاً ؛ إذ لو روّق أو صعّد لما رجع إلى الطبيعة المائية المبردة، لاستحالة جوهرها، بخلاف الماء المسخن الذي استحالت كيفيته دون طبيعته ولهذا استحقوا الخلود في العذاب. وحكم عليهم بقوله :
﴿ ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ ﴾ انتهى.
قال ابن القيم في " بدائع الفوائد " في هذه الآية ما مثاله : جمع لهم سبحانه بين العذابين عذاب الحجاب وعذاب النار، فألم الحجاب يفعل في قلوبهم وأرواحهم نظير ما تفعله النار في أجسامهم، كحال من حِيل بينه وبين أحب الأشياء إليه في الدنيا، وأخذ بأشد العذاب، فإن أخص عذاب الروح أن تتعلق بمحبوب لا غنى لها عنه، وهي ممنوعة من الوصول إليه، فكيف إن حصل لها - مع تواري المحبوب عنها وطول احتجابه - بغضه لها ومقته وطرده وغضبه الشديد عليها ؟ فأي نسبة لألم البدن إلى هذا الألم الذي لا يتصوره إلا من بلي به أو بشيء منه ؟ فلو توهمت النفوس ما في احتجاب الله سبحانه عنها يوم لقائه من الألم والحسرة، لما تعرضت لأسباب ذلك الاحتجاب. وأنت ترى المحبين في الدنيا لصورة، منتهى حسنها إلى ما يعلم، كيف يضجّون من ألم احتجاب محبوبهم عنهم وإعراضه وهجره ؟ ويرى أحدهم كالموت أو أشد منه من بين ساعة، كما قال :
~وكنتُ أرَى كالموت من بَين ليلةٍ فكيف بَبَيْنٍ كَان ميعادَهُ الحشرُ