وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ كَلاَّ ﴾ ردعٌ عمَّا كانُوا عليهِ بعد ردعٍ وزجرٍ إثرَ زجرٍ. وقولُه تعالَى ﴿ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلّيّينَ ﴾ استئنافٌ مسوقٌ لبيانِ محلِ كتابِ الأبرارِ بعدَهُ بيانُ سوءِ حالِ الفُجَّارِ مُتصلاً ببيانِ سُوءِ حالِ كتابِهم وفيه تأكيدٌ للردعِ ووجوبُ الارتداعِ. وكتابُهم ما كُتبَ من أعمالِهم وعليونَ علمٌ لديوانِ الخيرِ الذي دُوِّنَ فيه كلُّ ما عملتْهُ الملائكةُ وصلحاءُ الثقلينِ منقولٌ من جمعٍ على فعيلٍ من العُلوِّ، سُمِّيَ بذلكَ إمَّا لأنَّه سببُ الارتفاعِ إلى أعالِي الدرجاتِ في الجنةِ وإمَّا لأنَّهُ مرفوعٌ في السماءِ السابعةِ حيثُ يسكنُ الكروبيونَ تكريماً له وتعظيماً والكلامُ في قولِه تعالى ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ كتاب مَّرْقُومٌ ﴾ كما مرَّ في نظيرِه.
وقولُه تعالَى :
﴿ يَشْهَدُهُ المقربون ﴾ صفةٌ أُخرى لكتابَ أي يحضرونَهُ ويحفظونَهُ أو يشهدونَ بما فيه يومَ القيامةِ. ﴿ إِنَّ الأبرار لَفِى نَعِيمٍ ﴾ شروعٌ في بيانِ محاسنِ أحوالِهم إثرَ بيانِ حالِ كتابِهم على طريقةِ ما مرَّ في شأن الفجَّارِ ﴿ على الأرائك ﴾ أي على الأسرةِ في الحجالِ ولا يكادُ تطلقُ الأريكةُ على السريرِ عندهم إلا عندَ كونِه في الحَجَلةِ ﴿ يُنظَرُونَ ﴾ أي إلى ما شاءوا مدَّ أعينِهم إليه من رغائب مناظرِ الجنةِ وإلى ما أولاهُم الله تعالى من النعمةِ والكرامةِ وإلى أعدائهم يعذبونَ في النارِ وما تحجبُ الحجالُ أبصارَهُم عن الإدراك.


الصفحة التالية
Icon