وقال الشوكانى فى الآيات السابقة :
﴿ كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (١٨) ﴾
قوله :﴿ كَلاَّ ﴾ للردع، والزجر عما كانوا عليه، والتكرير للتأكيد، وجملة :﴿ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلّيّينَ ﴾ مستأنفة لبيان ما تضمنته، ويجوز أن يكون كلا بمعنى : حقاً، والأبرار : هم المطيعون، وكتابهم صحائف حسناتهم.
قال الفراء : عليين ارتفاع بعد ارتفاع لا غاية له، ووجه هذا أنه منقول من جمع عليّ من العلوّ.
قال الزجاج : هو إعلاء الأمكنة.
قال الفراء والزجاج : فأعرب كإعراب الجمع ؛ لأنه على لفظ الجمع، ولا واحد له من لفظه نحو : ثلاثين، وعشرين، وقنسرين.
قيل : هو علم لديوان الخير الذي دوّن فيه ما عمله الصالحون.
وحكى الواحدي عن المفسرين أنه السماء السابعة.
قال الضحاك، ومجاهد، وقتادة يعني : السماء السابعة فيها أرواح المؤمنين.
وقال الضحاك : هو سدرة المنتهى ينتهي إليه كل شيء من أمر الله لا يعدوها، وقيل هو الجنة، وقال قتادة أيضاً : هو فوق السماء السابعة عند قائمة العرش اليمنى، وقيل : إن عليين صفة للملائكة، فإنهم في الملأ الأعلى، كما يقال فلان في بني فلان أي : في جملتهم ﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلّيُّونَ * كتاب مَّرْقُومٌ ﴾ أي : وما أعلمك يا محمد أيّ شيء عليون على جهة التفخيم والتعظيم لعليين، ثم فسره فقال :﴿ كتاب مَّرْقُومٌ ﴾ أي : مسطور، والكلام في هذا كالكلام المتقدم في قوله :﴿ وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجّينٌ * كتاب مَّرْقُومٌ ﴾ [ المطففين : ٨، ٩ ] وجملة :﴿ يَشْهَدُهُ المقربون ﴾ صفة أخرى لكتاب، والمعنى : أن الملائكة يحضرون ذلك الكتاب المرقوم، وقيل : يشهدون بما فيه يوم القيامة.
قال وهب وابن إسحاق : المقرّبون هنا إسرافيل، فإذا عمل المؤمن عمل البرّ صعدت الملائكة بالصحيفة، ولها نور يتلألأ في السموات كنور الشمس في الأرض حتى تنتهي بها إلى إسرافيل، فيختم عليها.