وقال ابن عاشور :
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (١٠)
ومن أوتي كتابه وراء ظهره ﴾
هو الكافر.
والمعنى : إنه يؤتى كتابه بشماله كما تقتضيه المقابلة بـ ﴿ من أوتي كتابه بيمينه ﴾ وذلك أيضاً في سورة الحاقة قوله :﴿ وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ﴾، أي يعطى كتابه من خلفه فيأخذه بشماله تحقيراً له ويناول له من وراء ظهره إظهاراً للغضب عليه بحيث لا ينظر مُناوِلُه كتابَه إلى وجهه.
وظرف ﴿ وراء ظهره ﴾ في موضع الحال من ﴿ كتابه ﴾.
و﴿ ينقلب إلى أهله ﴾ أي يرجع.
والانقلاب : الرجوع إلى المكان الذي جيء منه، وقد تقدم قريباً في سورة المطففين.
والأهل : العشيرة من زوجة وأبناء وقرابة.
وهذا التركيب تمثيل لحال المحاسَب حساباً يسيراً في المسرّة والفوز والنجاة بعد العمل الصالح في الدنيا، بحال المسافر لتجارة حين يرجع إلى أهله سالماً رابحاً لما في الهيئة المشبه بها من وفرة المسرة بالفوز والربح والسلامة ولقاء الأهل وكلهم في مسرة، فذلك وجه الشبه بين الهيْأتين وهو السرور المألوف للمخاطبين فالكلام استعارة تمثيلية.
وليس المراد رجوعه إلى منزله في الجنة لأنه لم يكن فيه من قبل حتى يقال لمصيره إليه انقلاب، ولأنه قد لا يكون له أهل.
وهو أيضاً كناية عن طول الراحة لأن المسافر إذا رجع إلى أهله فارق المتاعب زمان.
والمراد بالدعاء في قوله :﴿ يدعو ثبوراً ﴾ النداء، أي ينادي الثبور بأن يقول : يا ثبوري، أو يا ثبورا، كما يقال : يا ويلي ويا ويلتنا.
والثبور : الهلاك وسوء الحال وهي كلمة يقولها من وقع في شقاء وتعس.
والنداء في مثل هذه الكلمات مستعمل في التحسر والتوجع من معنى الاسم الواقع بعد حرف النداء.
﴿ ويصلى ﴾ قرأه نافع وابن كثير وابن عامر والكسائي بتشديد اللام مضاعف صلاهُ إذا أحرقَه.


الصفحة التالية
Icon