وكأنه خطاب خص به كل واحد من الناس، قال القفال : وهو أبلغ من العموم لأنه قائم مقام التخصيص على مخاطبة كل واحد منهم على التعيين بخلاف اللفظ العام فإنه لا يكون كذلك والثاني : أن المراد منه رجل بعينه، وههنا فيه قولان : الأول : أن المراد به محمد ﷺ والمعنى أنك تكدح في إبلاغ رسالات الله وإرشاد عباده وتحمل الضرر من الكفار، فأبشر فإنك تلقى الله بهذا العمل وهو غير ضائع عنده الثاني : قال ابن عباس : هو أُبيّ بن خلف، وكدحه جده واجتهاده في طلب الدنيا، وإيذاء الرسول عليه السلام، والإصرار على الكفر، والأقرب أنه محمول على الجنس لأنه أكثر فائدة، ولأن قوله :﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه بِيَمِينِهِ﴾ [ الإنشقاق : ٧ ] ﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كتابه وَرَاء ظَهْرِهِ﴾ [ الإنشقاق : ١٠ ] كالنوعين له، وذلك لا يتم إلا إذا كان جنساً، أما قوله :﴿إِنَّكَ كَادِحٌ﴾ فاعلم أن الكدح جهد الناس في العمل والكدح فيه حتى يؤثر فيها من كدح جلده إذا خدشه، أما قوله :﴿إلى رَبّكَ﴾ ففيه ثلاثة أوجه أحدها : إنك كادح إلى لقاء ربك وهو الموت أي هذا الكدح يستمر ويبقى إلى هذا الزمان، وأقول في هذا التفسير نكتة لطيفة، وذلك لأنها تقتضي أن الإنسان لا ينفك في هذه الحياة الدنيوية من أولها إلى آخرها عن الكدح والمشقة والتعب، ولما كانت كلمة إلى لانتهاء الغاية، فهي تدل على وجوب انتهاء الكدح والمشقة بانتهاء هذه الحياة، وأن يكون الحاصل بعد هذه الدنيا محض السعادة والرحمة، وذلك معقول، فإن نسبة الآخرة إلى الدنيا كنسبة الدنيا إلى رحم الأم، فكما صح أن يقال : يا أيها الجنين إنك كادح إلى أن تنفصل من الرحم، فكان ما بعد الانفصال عن الرحم بالنسبة إلى ما قبله خالصاً عن الكدح والظلمة فنرجوا من فضل الله أن يكون الحال فيما بعد الموت كذلك وثانيهما : قال القفال : التقدير إنك كادح في دنياك كدحاً تصير به إلى ربك فبهذا