وإن كان السؤال عن السبب فالجواب بقوله :﴿قل هي مواقيت﴾ غير مطابق للسؤال، فيكون إخراجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر بصرف السائل إلى غير ما يتطلب، تنبيهاً على أن ما صرف إليه هو المهم له، لأنهم في مبدأ تشريع جديد والمسؤول هو الرسول عليه الصلاة والسلام وكان المهم لهم أن يسألوه عما ينفعهم في صلاح دنياهم وأخراهم، وهو معرفة كون الأهلة ترتبت عليها آجال المعاملات والعبادات كالحج والصيام والعدة، ولذلك صرفهم عن بيان مسؤولهم إلى بيان فائدة أخرى، لا سيما والرسول لم يجيء مبيناً لعلل اختلاف أحوال الأجرام السماوية، والسائلون ليس لهم من أصول معرفة الهيئة ما يهيئهم إلى فهم ما أرادوا علمه بمجرد البيان اللفظي بل ذلك يستدعى تعليمهم مقدمات لذلك العلم، على أنه لو تعرض صاحب الشريعة لبيانه لبين أشياء من حقائق العلم لم تكن معروفة عندهم ولا تقبلها عقولهم يومئذٍ، ولكان ذلك ذريعة إلى طعن المشركين والمنافقين بتكذيبه، فإنهم قد أسرعوا إلى التكذيب فيما لم يطلعوا على ظواهره كقولهم :﴿هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جنة﴾ [سبأ : ٧، ٨] وقولهم :﴿ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلاّ اختلاق﴾ [ص : ٧] وعليه فيكون هذا الجواب بقوله :﴿هي مواقيت للناس والحج﴾ تخريجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر كقول الشاعر. أنشده في " المفتاح" ولم ينسبه ولم أقف على قائله ولم أره في غيره
.... أتت تشتكي منّي مزاولة القرى
وقد رأت الأضياف يَنْحَوْن منزلي... فقلت لها لمّا سمعت كلامها
هم الضيف جِدِّي في قراهم وعجِّلي... وإلى هذا نحا صاحب " المفتاح" وكأنه بناه على أنهم لا يظن بهم السؤال عن الحكمة في خلق الأهلة لظهورها، وعلى أن الوارد في قصة معاذ وثعلبة يشعر بأنهما سألا عن السبب إذ قالا : ما بال الهلال يبدو دقيقاً الخ. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ١٩٥ ـ ١٩٦﴾