وقال العلامة ابن عاشور :
وقوله :﴿وأخرجوهم من حيث أخرجوكم﴾ أي يحل لكم حينئذٍ أن تخرجوهم من مكة التي أخرجوكم منها، وفي هذا تهديد للمشركين ووعد بفتح مكة، فيكون هذا اللقاء لهذه البشرى في نفوس المؤمنين ليسْعوا إليه حتى يدركوه وقد أدركوه بعد سنتين، وفيه وعد من الله تعالى لهم بالنصر كما قال تعالى :﴿لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام﴾ [الفتح : ٢٧] الآية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٢ صـ ٢٠٢﴾
قوله تعالى :﴿والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل ﴾
قال الفخر :
أما قوله تعالى :﴿والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل﴾ ففيه وجوه أحدها : وهو منقول عن ابن عباس : أن المراد من الفتنة الكفر بالله تعالى، وإنما سمي الكفر بالفتنة لأنه فساد في الأرض يؤدي إلى الظلم والهرج، وفيه الفتنة، وإنما جعل الكفر أعظم من القتل، لأن الكفر ذنب يستحق صاحبه به العقاب الدائم، والقتل ليس كذلك، والكفر يخرج صاحبه به عن الأمة، والقتل ليس كذلك فكان الكفر أعظم من القتل، وروي في سبب نزول هذه الآية أن بعض الصحابة كان قتل رجلاً من الكفار في الشهر الحرام، فالمؤمنون عابوه على ذلك، فأنزل الله تعالى هذه الآية، فكان المعنى ليس لكم أن تستعظموا الإقدام على القتل في الشهر الحرام، فإن إقدام الكفار على الكفر في الشهر الحرام أعظم من ذلك
وثانيها : أن الفتنة أصلها عرض الذهب على النار لاستخلاصه من الغش، ثم صار اسماً لكل ما كان سبباً للامتحان تشبيهاً بهذا الأصل، والمعنى : أن إقدام الكفار على الكفر وعلى تخويف المؤمنين، وعلى تشديد الأمر عليهم بحيث صاروا ملجئين إلى ترك الأهل والوطن هرباً من إضلالهم في الدين، وتخليصاً للنفس مما يخافون ويحذرون، فتنة شديدة بل هي أشد من القتل الذي يقتضي التخليص من غموم الدنيا وآفاتها، وقال بعض الحكماء : ما أشد من هذا القتل الذي أوجبه عليكم جزاء غير تلك الفتنة.