الوجه الثالث : أن يكون المراد من الفتة العذاب الدائم الذي يلزمهم بسبب كفرهم، فكأنه قيل : اقتلوهم من حيث ثقفتموهم، واعلم أن وراء ذلك من عذاب الله ما هو أشد منه كقوله :﴿وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ الله بِعَذَابٍ مّنْ عِندِهِ﴾ [التوبة : ٥٢] وإطلاق اسم الفتنة على العذاب جائز، وذلك من باب إطلاق اسم السبب على المسبب، قال تعالى :﴿يَوْمَ هُمْ عَلَى النار يُفْتَنُونَ﴾ [الذاريات : ١٣] ثم قال عقيبه :﴿ذُوقُواْ فِتْنَتَكُمْ﴾ [الذاريات : ١٤] أي عذابكم، وقال :﴿إِنَّ الذين فَتَنُواْ المؤمنين والمؤمنات﴾ [البروج : ١٠] أي عذبوهم، وقال :﴿فَإِذَا أُوذِىَ فِى الله جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله﴾ [العنكبوت : ١٠] أي عذابهم كعذابه.
الوجه الرابع : أن يكون المراد فتنتهم إياكم بصدكم عن المسجد الحرام، أشد من قتلكم إياهم في الحرم، لأنهم يسعون في المنع من العبودية والطاعة التي ما خلقت الجن والإنس إلا لها.
الوجه الخامس : أن ارتداد المؤمن أشد عليه من أن يقتل محقاً والمعنى : وأخرجوهم من حيث أخرجوكم ولو أتى ذلك على أنفسكم فإنكم إن قتلتم وأنتم على الحق كان ذلك أولى بكم وأسهل عليكم من أن ترتدوا عن دينكم أو تتكاسلوا في طاعة ربكم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١١٢﴾
وقال الماوردى :
وإنما سمي الكفر فتنة، لأنه يؤدي إلى الهلاك كالفتنة. أ هـ ﴿النكت والعيون حـ ١ صـ ٢٥١﴾
وقال فى التحرير والتنوير :