في المراد بالفتنة ههنا وجوه أحدهما : أنها الشرك والفكر، قالوا : كانت فتنتهم أنهم كانوا يضربون ويؤذون أصحاب النبي ﷺ بمكة حتى ذهبوا إلى الحبشة ثم واظبوا على ذلك الإيذاء حتى ذهبوا إلى المدينة وكان غرضهم من إثارة تلك الفتنة أن يتركوا دينهم ويرجعوا كفاراً، فأنزل الله تعالى هذه الآية، والمعنى : قاتلوهم حتى تظهروا عليهم فلا يفتنوكم عن دينكم فلا تقعوا في الشرك وثانيها : قال أبو مسلم : معنى الفتنة ههنا الجرم قال : لأن الله تعالى أمر بقتالهم حتى لا يكون منهم القتال الذي إذا بدؤا به كان فتنة على المؤمنين لما يخافون عنده من أنواع المضار. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١١٣﴾
وقال فى التحرير والتنوير :
المراد بالفتنة هنا كالمراد بها هنالك ﴿فى الآية السابقة﴾، ولما وقعت هنا في سياق النفي عمت جميع الفتن فلذلك ساوت المذكورة هنا المذكورة في قوله تعالى :﴿والفتنة أشد من القتل﴾ [البقرة : ١٩١] فإعادة الفتنة منكرة هنا لا يدل على المغايرة كما هو الشائع بين المعربين في أن المعرفة إذا أعيدت نكرة فهي غير الأولى ؛ لأن وقوعها في سياق النفي أفاد العموم فشمل جميع أفراد الفتنة مساوياً للفتنة المعرفة بلام الاستغراق إلاّ أنه استغراق عرفي بقرينة السياق فتقيد بثلاثة قيود بالقرينة أي حتى لا تكون فتنة منهم للمسلمين في أمر الدين وإلاّ فقد وقعت فتن بين المسلمين أنفسهم كما في حديث :" ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلاّ دخلته ".