والجواب الثاني : قول من قال : لا بد في أفعال الله وأحكامه من رعاية المصالح والحكم، والقائلون بهذا المذهب سلموا أن العقول البشرية قاصرة في أكثر المواضع عن الوصول إلى أسرار حكم الله تعالى في ملكه وملكوته، وقد دللنا على أن القوم إنما سألوا عن الحكمة في اختلاف أحوال القمر فالله سبحانه وتعالى ذكر وجوه الحكمة فيه وهو قوله :﴿قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج﴾ وذكر هذا المعنى في آية أخرى وهو قوله :﴿وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب﴾ [يونس : ٥] وقال في آية ثالثة ﴿فَمَحَوْنَا ءايَةَ اليل وَجَعَلْنَا ءايَةَ النهار مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين والحساب﴾ [الإسراء : ١٢] وتفصيل القول فيه أن تقدير الزمان بالشهور فيه منافع بعضها متصل بالدين وبعضها بالدنيا، أما ما يتصل منها بالدين فكثيرة منها الصوم، قال الله تعالى :﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنزِلَ فِيهِ القرآن﴾ [البقرة : ١٨٥] وثانيها : الحج، قال الله تعالى :﴿الحج أَشْهُرٌ معلومات﴾ [البقرة : ١٩٧] وثالثها : عدة المتوفى عنها زوجها قال الله تعالى :﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة : ٢٣٤] ورابعها : النذور التي تتعلق بالأوقات، ولفضائل الصوم في أيام لا تعلم إلا بالأهلة.
وأما ما يتصل منها بالدنيا فهو كالمداينات والإجارات والمواعيد ولمدة الحمل والرضاع كما قال ﴿وَحَمْلُهُ وفصاله ثَلاَثُونَ شَهْراً﴾ [الأحقاف : ١٥] وغيرها فكل ذلك مما لا يسهل ضبط أوقاتها إلا عند وقوع الاختلاف في شكل القمر.