فإن قيل : لا نسلم أنا نحتاج في تقدير الأزمنة إلى حصول الشهر، وذلك لأنه يمكن تقديرها بالسنة التي هي عبارة عن دورة الشمس وبإجرائها مثل أن يقال : كلفتكم بالطاعة الفلانية في أول السنة، أو في سدسها، أو نصفها، وهكذا سائر الأجزاء، ويمكن تقديرها بالأيام مثل أن يقال : كلفتم بالطاعة الفلانية في اليوم الأول من السنة وبعد خمسين يوماً من أول السنة، وأيضاً بتقدير أن يساعد على أنه لا بد مع تقدير الزمان بالسنة وباليوم تقديره بالقمر لكن الشهر عبارة عن دورة من اجتماعه مع الشمس إلى أن يجتمع معها مرة أخرى هذا التقدير حاصل سواء حصل الاختلاف في أشكال نوره أو لم يحصل، ألا ترى أن تقدير السنة بحركة الشمس وإن لم يحصل في نور الشمس اختلافا، فكذا يمكن تقدير الشمس بحركة القمر، وإن لم يحصل في نور القمر اختلاف، وإذا لم يكن لنور القمر مخالفة بحال ولا أثر في هذا الباب لم يجز تقديره به.
والجواب عن السؤال الأول : أن ما ذكرتم وإن كان ممكنا إلا أن إحصاء الأهلة أيسر من إحصاء الأيام لأن الأهلة اثنا عشر شهراً، والأيام كثيرة، ومن المعلوم أن تقسيم جملة الزمان إلى السنين، ثم تقسيم كل سنة إلى الشهور، ثم تقسيم الشهور إلى الأيام، ثم تقسيم كل يوم إلى الساعات، ثم تقسيم كل ساعة إلى الأنفاس أقرب إلى الضبط وأبعد عن الخبط، ولهذا قال سبحانه :﴿إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْراً﴾ [التوبة : ٣٦] وهذا كما أن المصنف الذي يراعي حسن الترتيب يقسم تصنيفه إلى الكتب، ثم كل كتاب إلى الأبواب، ثم كل باب إلى الفصول ثم كل فصل إلى المسائل فكذا ههنا الجواب عنه.


الصفحة التالية
Icon