وأما السؤال الثاني : فجوابه ما ذكرتم، إلا أنه متى كان القمر مختلف الشكل، كان معرفة أوائل الشهور وأنصافها وأواخرها أسهل مما إذا لم يكن كذلك، وأخبر جل جلاله أنه دبر الأهلة هذا التدبير العجيب لمنافع عباده في قوام دنياهم مع ما يستدلون بهذه الأحوال المختلفة على وحدانية الله سبحانه وتعالى وكمال قدرته، كما قال تعالى :﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأُوْلِى الألباب﴾ [آل عمران : ١٩٠] وقال تعالى :﴿تَبَارَكَ الذى جَعَلَ فِى السماء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً﴾ [الفرقان : ٦١] وأيضاً لو لم يقع في جرم القمر هذا الاختلاف لتأكدت شبه الفلاسفة في قولهم : أن الأجرام الفلكية لا يمكن تطرق التغيير إلى أحوالها، فهو سبحانه وتعالى بحكمته القاهرة أبقى الشمس على حالة واحدة، وأظهر الإختلاف في أحوال القمر ليظهر للعاقل أن بقاء الشمس على أحوالها ليس إلا بإبقاء الله وتغير القمر في أشكاله ليس إلا بتغيير الله فيصير الكل بهذا الطريق شاهداً على افتقارها إلى مدبر حكيم قادر قاهر، كما قال :﴿وَإِن مّن شَىْء إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾ [الإسراء : ٤٤] إذا عرفت هذه الجملة فنقول : أنه لما ظهر أن الاختلاف في أحوال القمر معونة عظيمة في تعيين الأوقات من الجهات التي ذكرناها نبه تعالى بقوله :﴿قُلْ هِىَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ والحج﴾ على جميع هذه المنافع، لأن تعديد جميع هذه الأمور يقضي إلى الإطناب والاقتصار على البعض دون البعض ترجيح من غير مرجح فلم يبق إلا الاقتصار على كونه ميقاتاً فكان هذا الاقتصار دليلاً على الفصاحة العظيمة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٥ صـ ١٠٤ ـ ١٠٦﴾
قوله تعالى :﴿والحج ﴾
قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon